نام کتاب : الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة نویسنده : الفقي، محمد كامل جلد : 1 صفحه : 99
عودته, فأخبرهم بأن عباسًا قتل, فقالوا له من أين علمت؟ فقال لهم: انتهيت في ترجمة تلماك إلى اجتماع الملوك المتعاهدة, وانضمام تلماك معهم على محاربة الملك "أدرسته" ملك الدونية, وإعدامه بيد تلماك؛ لارتكابه كل الأمور التي أرى أن عباسًا ارتكبها تمامًا, وحيث كانت عاقبة "أدرسته" القتل, فقياسًا على هذا قلت: لابد أن يكون عباس قتل مثله, فقالوا: ألم يكفك اغترابنا في الخرطوم حتى رحت تجترئ على هذا القياس الخرافي الذي يترتب عليه إبعادنا إلى ما أبعد من الخرطوم.
وفي اليوم التالي للحادث, اسْتُدْعِىَ رفاعة بك من الحكمدار, وزفَّ إليه بشرى أن سعيد باشا أمر بإعادته ومن معه إلى القاهرة, وسلمه الحكمدار جانبًا من التبر هديةً لوالي مصر الجديد.
هذه رواية عن قياس رفاعة, وما من شك في أن رفاعة كان حزينًا لنفيه, موجعًا لبعده, آسفًا لما لقيه من والٍ أغفل فضله العريض في نهضة البلاد, ولم يجازه إلّا بالنفي والاغتراب.
كان ذلك الألم يحز في نفس رفاعة, ويبلغ من شعوره كل مبلغ, ويتغلغل في نفسه كل تغلغل، وربما صقل الحزن نفسه, وتجسم الأمل في نفسه, وتملكه الخيال الذي تمثّل له في قصة تلماك, فراح يقرن بين حال الملكين ويتكهن بأن يكون أحدهما كالآخر في مصرعه, ولم يدع له الغيظ قوةً يكتم بها إحساسه, فأرسل حدسه في صورة الخبر, وأبرز خياله في معرض اليقين، وكم في الأمور من مصادفات.
أثر رفاعه في السودان:
قضى رفاعة في السودان زهاء أربعة أعوام, شعر فيها بمرارة الحزن والألم, وكانت صابًا وعلقمًا لمعنى الظلم والجور الذي يتمثل له، ولاغترابه عن أطفال صغار لا يدري ما فعل بهم الزمان, ولجزعه في منفاه على علم من أعلام النهضة, وهو محمد بيومي, أستاذ الرضيات, ورئيس أحد أقسام الترجمة, فقد صحب رفاعة في رحلته إلى باريس, وعاونه في نشر العلم بالسودان, وكان مصرعه به، وقد أشار إلى الجزع على فقده نصف صحبه الذي كان معه بقوله:
نام کتاب : الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة نویسنده : الفقي، محمد كامل جلد : 1 صفحه : 99