نام کتاب : نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة نویسنده : المحبي، محمد أمين جلد : 1 صفحه : 37
وقد أدركته وسبجه بدِّل بعاجه، وسمهريُّ قدِّه رمي باعوجاجه. وكان بينه وبين أبي محبة ومودة، ومجالس اجتماعاتٍ لمذاكرة الأدب معدة. فكنت أجني من مطارحتها بدائع مائسات الأعطاف، وأقطف روائع مستعذبات الجنى والقطاف. ولقد رأيت من فضله ما لم أر قبل ولا بعد، وطالما حصلت منه على أمانيَّ في هذا الشأن من غير وعد. فمن لفظٍ إذا سمعته قلت كأنَّ العرب استخلفته على لسانها، ومعنًى إذا تخيلته قلت: هذا للبراعة إنسان عينها وعين إنسانها. إلى محاضرةٍ إذا تحرَّى في أسلوبها الرَّشيق، تهمُّ ببسط الحجر لالتقاط درها النسيق. وأما حديث لين العريكة، ودماثة السليقة، فلم ير من يشبهه في الخلق والخليقة. بأدبٍ ضافي الذليل مطرز الكم، وشعرٍ يكاد يحيي الجماد وينطق البكم.
وها أنا أورد من أشعاره ما تزهو به القراطيس على صفحات الخدود المحشاة بالسوالف، ويغني عن لذة السلاف السلسل تذهَّبت به الليالي السوالف.
فمن ذلك قوله من قصيدة، مطلعها:
يعدُّ عليَّ أنفاسي ذَنوبا ... إذا ما قلت أفديه حبيبا
وأبعد ما يكون الودُّ منه ... إذا ما بات من أملي قريبا
حبيبٌ كلَّما يلقاه صبٌّ ... يصير عليه من يهوى رقيبا
سقاه الحسن ماء الدلِّ حتى ... من الكافور أنبته قضيبا
يعاف منازل العشاق كبراً ... ولو فرشت مسالكها قلوبا
فلو حمل النَّسيم إليه مني ... سلاماً راح يمنعه الهبوبا
أغار على الجفا منه لغيري ... فليت جفاه لي أضحى نصيبا
وأعشق أعين الرُّقباء فيه ... ولو مُلئت عيونهم عيوبا
لقد أخذ الهوى بزمام قلبي ... وصيَّر دمع أجفاني صبيبا
وما أمَّلتُ في أهلي نصيراً ... فكيف الآن أطلبه غريبا
وأقصد أن يعيد رُوا شبابي ... زمانٌ غادر الولدان شيبا
وما خفيت عليَّ النَّاس حتى ... أروم اليوم من رخمٍ حليبا
إذا ظنَّ الشَّباب خشيت منه ... لفقد مساعدي يلفى مجيبا
وهب أنِّي حكيتُ الشاة ضعفاً ... فما لي أحسب السنَّور ذيبا
منها في المديح:
لئن سعدتْ ولو في النَّوم عيني ... برؤياه لتلك العين طوبى
وإن ضنَّ السَّحاب فلا أبالي ... وفيض نداه قد أضحى سكوبا
إذا تليت مآثره بأرضٍ ... غدا الفلك المُدار بها طروبا
وقوله:
نوروز لا كنت قلبي فيك مكروبُ ... الشَّمس طالعةٌ والبدر محجوبُ
أرى الحسان وما لي بينهم حسنٌ ... ما كلُّ من نظرتْهُ العين محبوبُ
صفر الفؤاد من الأفراح ممتلئٌ ... بالحزن قلبي وفيض الدَّمع مسكوبُ
أبغي القيام وسوء الحظِّ يقعدني ... من عاند القدر المحتوم مغلوبُ
وقوله:
حبيبٌ حماه الملك تحت قبابه ... يكاد يذيب الروح فرط احتجابه
تدير على سمعي الأماني حديثهُ ... فتسكر أفكاري بذكر رُضابهِ
يعيد تراب الأرض مسكاً وعنبراً ... إذا قبَّلتْ للشُّكر فضل ثيابه
يكلِّمني باللَّحظ عن أخذ مهجتي ... فيسبق تسليمي بردِّ جوابهِ
وقوله:
ما شرَّف الروض في نزاهته ... إلا وستر الغمام ينسحبُ
كأنَّه البدر عند رؤيته ... لا شكَّ شمس النَّهار تحتجبُ
وقوله:
تحجَّب عني الطَّيف حتى كأنَّه ... تخيَّل إنساني عليه رقيبا
وقد كان يغشى قبل ما احتبك الهوى ... فظنَّ خيالي للنحول قريبا
وقوله:
عِدْ وماطل فقد رضيت به ... منك وإن كان بالجفا آيبْ
صدق وعود الحسان أجمعها ... فدًى للذَّات وعدك الكاذبْ
وقوله:
ألا لا تبكِ حادثة افتراقٍ ... ولا تفرح بلذَّات الإيابِ
فما الدُّنيا وما ضمَّته إلا ... كخطِّ منَجِّمٍ فوق التُّرابِ
وقوله:
الموت أطيب ما يجتنى ... إن شطَّت الدارُ وطال الحجابْ
نام کتاب : نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة نویسنده : المحبي، محمد أمين جلد : 1 صفحه : 37