نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 19
أعلى من درجة الفكر المكانية، تلعب في لغات المتمدينين دورا أهم من الدور الذي تلعبه في لغات البدائيين[1].
وعندما تتحلل ذاكرة الفرد نرى" المجرد أثبت عنده من المشخص. ولعله يمكن تفسير ذلك بأن التجريد ينفذ إلى الدماغ بعد مجهود عقلي ويتطلب من الذهن تركزا، أما المشخص فليس إلا انعكاس الأشياء في مرآة الوجدان"[2].
القول بأن التطور اللغوي مرتبط بالمدينة بصلات وثيقة ليس معناه إنكار المجهود المنطقي، أو دور العامل الإنساني، وإنما معناه الحد من دور العامل الاجتماعي، فالمدينة شيء والمجتمع شيء آخر.
ولكن ما هي المدنية على وجه التحقيق؟ هل يترتب على المدنية وجود ترتيب تصاعدي للغات، أو تقدم لغوي؟ يقابل الأستاذ فندريس هذا السؤال بريب شديد، ريب يجب أن نقابله بدورنا بالاحترام التام، لأنه يقوم على إحساس حاد بتفاصيل الواقع اللغوي المتفرقة المتحركة، وعلى الحذر من الأفكار السائرة التي تعرض على أنها معرفة نقية خالصة. ووجهة نظره في ذلك هي وجهة نظر العالم اللغوي المرتبط بواقع الأشياء، فنراه يطيل القول عن الفصائل النحوية في اللغات المختلفة وعن العقبات التي يلاقيها المنطق وعن سراب اللغة الصناعية الخداع. ويذهب إلى حد القول: "بأننا لا حق لنا في اعتبار لغة معقولة تجريدية تفوق لغة أخرى مشخصة غيبية، لمجرد أن تلك الأولى هي لغتنا. إنهما في الوقع عقليتان مختلفتان يمكن لكل منهما أن يكون لها ناحيتها من الفضل إذ لا شيء أمام شخص من أهالي سريوس "Sirius" يستطيع أن يبرهن له على أن عقلية المتمدنين عقلية منحلة"[3].
ولنقرر مرة أخرى أنه يروقنا في كتاب الأستاذ فندريس هذا النصيب المبالغ فيه من الشك العلمي، لأنه في رأينا لا يرفع من قدر كتابه فحسب، بل يرفع جميع [1] انظر الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب. [2] انظر آخر الفصل الثالث من القسم الثاني. [3] انظر الصفحتين الأخيرتين من الكتاب.
نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 19