نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 39
خوف أو رغبة في الغذاء. بعد ذلك، لعل الصيحة اعتبرت بعد أن زودت بقيمة رمزية، كأنها إشارة قابلة لأن يكررها آخرون، ولعل الإنسان قد وجد في متناول يده هذه المسلك المريح، قد استعمله للاتصال ببني جنسه أو لإثارتهم إلى عمل أو لمنعهم منه. ولا بد أن اللغة، قبل أن تكون وسيلة للتفكير، كانت في الواقع وسيلة للفعل وواحدة من أنجع الوسائل التي مكن منها للإنسان. وما أن استيقظ في ذهن الإنسان شعوره بالعلامة حتى راح يوسع من شأن هذا الاختراع العجيب، وكان تقدم الجهاز الصوتي يسير بنفس الخطى مع تقدم المخ. وكان يثبت اللغة في داخل الحشود الإنسانية الأولى يسير على نفس القوانين التي تحكم كل مجتمع. وبوجه خاص كان أعضاء كل جماعة يلتزمون في احتفالاتهم الجماعية نفس المظاهرات الصوتية أو الغنائية[1]. وهكذا كانت عناصر الصياح أو الغناء تصبح مزودة بقيمة رمزية يستبقيها كل فرد في نفسه لاستعماله الشخصي. ثم قليلا قليلا، وبفضل الاتساع المتزايد في التبادل الاجتماعي تكون أخيرا هذا الجهاز المعقد الذي لا يجاري في ثرائه ليكون وسيلة للتعبير عن العواطف والأفكار، عن كل العواطف والأفكار.
هذا الفرض تبدو عليه مخايل الصدق وإن لم يكن مما يمكن البرهان عليه. ومن مزاياه أنه يفهمنا كيف كانت اللغة نتاجا طبيعيا للنشاط الإنساني نتيجة لتطابق ملكات الإنسان على حاجاته الاجتماعية[2]. غير أنه يجب البدء من الشعور بالعلامة. وإذا ما حصل على هذه الحقيقة تتابعت اللغة كلها بطريق التنويعات المتتابعة.
إنه لمن المجازفة بعد الذي قيل في الصفحات السابقة أن نعمد إلى تحديد أدق وأن نسعى إلى معرفة الكيفية التي جرى عليها التخالف "Differenciation" والمراحل التي مر بها منذ صيحة الإشارة حتى وسائل التعبير الكثيرة التنوع التي تقوم عليها ثروة لغة كاللغة الفرنسية. ومما يطلب إلى العالم اللغوي، اعتمادا على [1] بورنسكي رقم 146ص38
2 "لما كان الكلام هو النظام الاجتماعي الأول فإنه لا يدين بصورته تلك إلا لأسباب طبيعية" ج. ج. روسو: "بحث في أصل اللغات".
نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 39