نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 429
وتشخيصا مما صار إليه فيما بعد، ففكرة الزمن في الهندية الأوربية تكاد تنحصر في التعبير عن الناحية الذاتية، أي في الدلالة على زمن الاستغراق، وبمرور العصور اتجهت إلى التعبير عن فكرة الزمن بمعناه الحقيقي، أي فكرة اللحظة.
وبحث لغات البدائيين يعضد هذه الملاحظة المستخرجة من التاريخ. فهذه اللغات تقدم لنا حالة لغوية ليس فيها نصيب أو لا يكاد يكون فيها نصيب لما نسميه بالمدنية. فهي مفعمة بالفصائل المشخصة والخاصة وبذلك تختلف عن لغات المتحضرين، التي تسير فيها الفصائل دائما نحو التدريج والتعميم. ذلك أن البدائي يعبر بدقة نادرة عن جحفل من التفاصيل المادية التي تغيب عنا. ويوجه إلى الاعتبارات المكانية مثلا نصيبا من الالتفات يفوق النصيب الذي نوجهه نحن إلى الاعتبارات الزمنية, إذ إن الحدث يمثل في ذهنه محصورا بخير, والروابط المكانية التي بين الأشخاص والأشياء يعبر عنها في لغته بفصائل خاصة كالروابط الزمنية أو أكثر منها[1]. ونحن نعرف أن الزمن أرفع من المكان في مرتبة التجريد, ومن ثم نرانا نحن المتحضرين نسقط من نظامنا الصرفي فكرة الحيز المشخصة ونقبل بارتياح على التعبير عن فكرة الزمن المجردة. وهذه نتيجة للمدنية.
لذلك نرى الطريقة التي تتلاشى بها الفصائل التشخيصية من اللغات تعضد أهمية الدور الذي تلعبه المدنية هنا, ومن أوضح الحالات التي من هذا القبيل حالة المثنى في الإغريقية "انظر ص 134". فاستعمال المثنى في اللهجات مرتبط بدرجة المدنية, والهجات التي فقدت هذا العدد منذ فترة ما قبل التاريخ هي نفس اللهجات التي كان يتكلمها أكثر الناس ثقافة. فلهجات المستعمرات سبقت في ذلك لهجة الوطن الأصلى، ونجد اللهجة الواحدة تحتفظ بالمثنى في القارة وتفقده عندما تستعمل في آسيا الصغرى أو في الجزر. هذه القاعدة عامة وتخلو من الاستثناء إذا غضضنا النظر عن بعض اللهجات كالأتيكية حيث تتدخل تأثيرات خاصة وثانوية، وإن كان تعرف هذه التأثيرات تعرفا جيدا يعضد القاعدة. ولهجات العواصم كما قلنا من قبل، أشد محافظة من لهجات المستعمرات؛ لأن الأخيرة تمثل لغة صفوة سكان [1] رقم 88 ص158.
نام کتاب : اللغة نویسنده : جوزيف فندريس جلد : 1 صفحه : 429