ولا شك أن المستحب من القياس هو الذي اعتمد لوضع القاعدة واستنباط الحكم فأفاد في تهذيب اللغة وتشذيبها، والذي اتخذ لتعليل الظاهرة اللغوية فكان وسيلة إلى وعي نظم اللغة وتعليمها فاعتمد على ما أسموه (العلة التعليمية) و (العلة القياسية) .
تصنيف العلل:
فالعلة التعليمية، كما أسلفنا قبل، أن تقول هذا مرفوع لأنه فاعل، وذاك منصوب لأنه مفعول به. والعلة القياسية هي التي تقوم على اشتراك المقيس والمقيس عليه فيما تصوروا أنه علة موجبة للحكم فيهما. وقد تشعبت الآراء في تحديد العلة القياسية باختلاف وجهات النظر والاعتبار. فقد تتجاذب الحكم الواحد علتان أو أكثر فيبنى على قياسين أو أكثر كما يتأتى حكمان متضادان في المسألة الواحدة فتقتضيهما علتان مختلفتان فيبنى كل منهما على قياس. فمثال الأول (المبتدأ) فقد يعتل لرفعه بالابتداء، أو يعتل له بالخبر أو بما يعود عليه من ذكره. ومثال الثاني (ما) التميمية والحجازية، فقد اعتلوا لـ (ما) التميمية العاطلة بشبهها بـ (هل) في عدم اختصاصها بالدخول على الاسم أو الفعل، وإفادة كل منهما معنى في الكلام هو النفي في (ما) والاستفهام في (هل) ، فجرت (ما) في الإهمال مجرى (هل) . واعتلُّوا لـ (ما) الحجازية العاملة بشبهها بليس في نفي الحال والدخول على الجملة الاسمية فعملت عملها. وهكذا اعتل للإعمال والإهمال في مسألة واحدة، فكان كل منهما على قياس. ومن ثم ذهب كثير من المجددين في النحو إلى إنعام النظر في هذه العلل والعمل على الاهتداء إلى الأشمل منها في الحكم، والأظهر في التعليل والألصق بالعربية.