والقياس الذي استند فيه إلى إحدى العلتين التعليمية والقياسية إنما يجانس طبيعة اللغة وخصوصها، دون القياس الذي اعتمد فيه على ما أسموه (العلة الجدلية النظرية) فنحا نحو الفلسفة واتسم بسمتها وغدا صناعة بل رياضة عقلية ونشاطاً ذهنياً فجعل التعليل أصلاً وغاية، لا وسيلة وحاجة، وبين القياسين من التفاوت والتباين، ما لا خفاء به ولا لبس.
فإذا قلت (إنّ) تشبه الفعل لفظاً لأنها ثلاثية، ومعنى لأنها تفيد التأكيد، فإذا خففت ذهب شبه اللفظ فقل عملها، فقولك هذا تعليل جدلي نظري، ليس وراءه محصول.
العناية بالمعنى:
ولا شك أن المعوّل عليه من التعليل ما قرن فيه صحة الحكم النحوي بسلامة المعنى، وتحقيق المراد منه، دون التعلق بما تقتاد إليه براعة الصناعة ويؤدي إليه الافتنان بها، من الإغراب في الجدل والتأويل. فلا جرم أن النحو يتجاوز البحث في أواخر الكلم وعلامات الإعراب.