قد جهز الى افريقية والى خراسان والجبال والى السند والى الثغور والحجاز رجالا يدعون الى مقاله، فهجروا له الاوطان، وخلفوا الازواج والولدان، واهملوا الاموال، وصبروا عن مجالسة الاخوان، وليس هذا بصفة غزال، ولا أحد ممن يعالج الحرف، وقال أبو الطروق يردد ذلك المعنى:
متى كان بيّاع الغزول مقدّما ... على كلّ حال فى الرّهان وسابق
متى اجتمع الشّرق المنير وغربه ... ليبّاع غزل خامل الأصل مارق
أول من وضع اللغة على الحروف وأول من عمل العروض أبو عبد الرحمن الخليل بن احمد
وكان من فراهيد بن مالك بن فهم بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الازد صريح فيهم، وقيل هو مولاهم، وأصله من الفرس،- والفراهيد غنم صغار، واحدها فرهود- وكان الخليل من أزهد الناس وأعلاهم نفسا، وأشدهم تعففا وكان الملوك يقصدونه متعرضين له لينال من دنياهم فلم يكن يفعل ذلك، وكان يعيش من بستان له خلفه أبوه بالجزيرة، «1» وكان يحج سنة ويغزو سنة حتى جاءه الموت.
حدثنا أبو احمد عن الصولى عن المغيرة بن محمد المهلبى من حفظه قال: حدثنا خالد بن خداش قال. كان الخليل ابن أحمد يحب ان يرى عبد الله ابن المقفع، وكان عبد الله يحب ذلك، فجمعهما عباد بن عباد المهلبى، فتحدثا ثلاثة أيام ولياليهن، ثم افترقا، فقيل للخليل: كيف رأيت عبد الله؟
قال: ما رأيت مثله قط، وعلمه أكثر من عقله. وقيل لابن المقنع: كيف رأيت الخليل؟ قال: ما رأيت مثله قط، وعقله أكثر من علمه.
قال المغيرة: وصدقا فى ذلك، فقد أدى عقل الخليل الى أن مات أزهد الناس، وجهل ابن المقفع فكتب أمانا لعبد الله بن على على المنصور، فقال فيه