نام کتاب : المدخل في فن التحرير الصحفي نویسنده : عبد اللطيف محمود حمزة جلد : 1 صفحه : 23
المنظر، الزاهب نفسه في الصخر, يكبت ألمًا وهو صامت صمتًا مخيفًا، ولا يقلُّ في روعته عن صراخ الشعر وعويله، أوحت هذا القصة للناقد إذن بالتفرقة بين الفنون؛ من حيث المواد الأولية التي يستعملها الفنانون؛ فرأي لسنج أن ذلك الفرق جاء من طبيعة كلٍّ من الصخر والشعر؛ إذ المادة الأولى التي يستعملها النحات وهي الصخر تختلف عن المادة التي يستعملها الشاعر وهي اللفظ.
رأى أن النحات لا يمكنه أن يصور الراهب مرتديًا ملابسه, وإلّا اختفت آلامه, ورأى الراهب يصرخ في الشعر, فهل من الممكن أن يصرخ في الصخر؟ لو حاول النحات ذلك لرسم الراهب فاتحًا فمه, فلا يرى الرائي إلّا فتحةً مظلمةً تنقص من جمال التمثال, والجمال ينبغي أن يتوخى في النحت؛ لأنه يعرض للنظارة ليعادوا النظر إليه مرةً بعد أخرى, ولو ظهرت هذه الهوة المظلمة لظهر التمثال بشعًا تشمئز منه النفوس، فلا نعود إلى النظر إليه, وعلى هذا الأساس أخذ لسنج يفرق بين المواد الأولية للفنون, فهناك النحت والرسم والشعر والموسيقي، وموادها: الصخر والألوان والكلمات والأنغام, وهذه المواد تختلف فيما بينها, وبسبب ذلك تختلف الفنون بعضها عن بعض.
والكلمة تمثِّل الحركة, فنحن إذ نصوغ صورةً من صور البشر, فإننا لا نصوغها دفعةً واحدةً, وإنما نصوغها كلمةً كلمةً, فهي متتالية في الزمن, وعلى خطٍّ مستقيمٍ, وعلى هذا, فلكلٍّ من الصخر والشعر ميدان يكون فيه أصلح من الآخر.
والصخر يضع أمامك التمثال فتراه دفعةً واحدةً, وتعاود النظر فيه, ولكن الشعر لا نراه دفعةً واحدةً, وإنما نراه متتاليًا في فترات زمنية متتالية أيضًا؛ فالصخر أقدر على تصوير العظمة، والشعر أقدر على تصوير الحركة.
والصخر يشبه الرسم, في أن كلًّا منهما يظهر دفعةً واحدةً, والرسم يعتمد على الألوان, فتمثال الصبيّ المرح أو صورته, تؤخذ له في وقتٍ معينٍ, وفي لحظةٍ معينةٍ, وفي وضعٍ معينٍ, وتُمَثِّلُ حالةً معينة، أما صورة الصبيّ المرح في الشعر, فتذكر لنا السبب الذي من أجله فرح هذا الصبيّ, والظروف التي جعلته يشعر بهذا الفرح.
ولو أن الشاعر أراد أن يصف التمثال والصورة الزمنية, وذكر تلك التفاصيل التي يستخدمها النحات أو الرسام, وأخذ يذكر أن طول الذراع كذا، وأن سعة العين كذا وأن
نام کتاب : المدخل في فن التحرير الصحفي نویسنده : عبد اللطيف محمود حمزة جلد : 1 صفحه : 23