نام کتاب : المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية نویسنده : علي علي صبح جلد : 1 صفحه : 219
ويؤيد ما اتجهت إليه من أنَّ المناسبة عند زاهر كانت مفجرًا انفعاله في معظم شعر المناسبات، وأقرَّ به الرفاعي بعد ذلك بقليل: وهو أن الشاعر كان في شعر المناسبات مدفوعًا بمشاعره الذاتية وصادرًا عن إرادته لا عن إرادة غيره، يقول الرفاعي ما نصه:
"غير أني أعتقد أن صاحب هذا الديوان يشترك فيما يشترك فيه من المناسبات مدفوعًا بمشاعره الذاتية ... صادرًا عن إرادته هو لا عن إرادة سواه، وهو كثير ما يجول في ميدان أحبه وآثره هو ميدان العلم والتعليم، فلا تكاد تفوته مناسبات الحفلات التعليمية في مجاله دائمًا أن يشيد بها"1.
وماذا يريد الرفاعي من الشاعر أكثر من أن يكون مدفوعًا للمناسبة بمشاعره الذاتية، هل الشعر إلا مشاعر ذاتية، ويوم أن يكون غير ذلك فلا يكون شعرًا، بأن يكون مدفوعًا بغير ذاته، أي: خارجًا عن ذاته ومنفصلًا عن مشاعره، وما اعترف به الرفاعي هنا هو نفسه ما أخذته عليه مسبقًا ومنذ قليل.
وهذا نفسه هو ما رجع إليه الرفاعي في نهاية كلامه حينما تحدث عن قضية التزام الأدباء والشعراء، فيتجاوبوا مع الأحداث ومع الناس، وألا ينغلقوا على أنفسهم وذاتياتهم، وينصرفوا إلى وجدانهم، بشرط ألا يفقدوا الصدق الفني ... يقرر هذا في قوله:
"ولا يجب أن ننسى أننا ندعو أدباءنا وشعراءنا أن يتجاوبوا دائمًا مع الأحداث، وأن يعيشوا مع الناس، وألّا ينغلقوا على ذاتياتهم، وينصرفوا إلى وجدانياتهم فحسب، ولكنني لا أغفل في هذا شرطًا هامًّا هو ألا يفقدوا الصدق الفني في كل أثر من آثارهم، وصاحب هذا الديوان حينما يتجاوب مع دعوة التضامن الإسلامي، وحينما يخطب شعرًا في منابر الحجيج التي يقيمها العاهل العظيم، إنما يجد في ذلك ارتياحًا حقيقًا في نفسه، ويشعر أنه إنما يؤدي واجبًا مفترضًا يجب أداؤه بقدر ما يسعه من طاقة، أو بقدر ما يستطيع أن يقدم من جهد ... ولست أشك أن هذه الأفكار الصالحة مع مرور الزمن ستكون أكثر رسوخًا في نفسه، ومع تطور شعره سيكون هو أقدر على الإفصاح عنها، والإبداع فيها".
وهذا ما صنعه زاهر في معظم شعره حين التزم بقضايا عصره ولم ينغلق على وجدانه، أو يتمدد في ذاتيته وأنانيته، ولكن الذي أرفضه أن الشاعر لم يفرض عليه واجب في مناسبة ما فرضًا غير مقبول منه أو كارهًا له؛ لأنه لم يحمل على شيء يقوله من خارج ذاته وإرادته، ويؤديه بقدر ما يسعه من طاقة، فما دمت قد أيدت الالتزام عند الشعراء وفي منهج صاحب الديوان، فالمناسبة عنده هي التي فجرت الانفعال من ذاته، وانصهرت في وجدانه ومشاعره، فأخرجها
المرجع السابق ص7.
نام کتاب : المذاهب الأدبية في الشعر الحديث لجنوب المملكة العربية السعودية نویسنده : علي علي صبح جلد : 1 صفحه : 219