responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 352
حتى لقد زعم الرواة أنه بكى حين سمعه. وواضح أنه لم يجعله بخيلًا فحسب؛ بل جعله هو وعشيرته يملأون بطونهم ويتخمون في ليالي الشتاء الباردة؛ على حين يشتد كلَبُ الجوع والمسغبة على جاراتهم. واختار النساء لينزع من قلوبهم كل عطف ورحمة؛ فهم ليسوا بخلاء فحسب؛ بل إن قاويهم لأشد قسوة من الحجارة واستمع إليه يسخر من كسرى قبل وقعة ذي قار:
واقعُد عَلَيكَ التاجُ مُعتَصِبًا بِهِ ... لا تَطلُبَنَّ سَوامَنا فَتَعَبَّدا1
وفي كلمة "اقعد" من الهجاء ما يفوق كل إقذاع؛ إذ يستخف به وبجيوشه التي يعدها لقتالهم وقتال شيبان، وكأنه يلوح له أنه إن هاجمهم مني بهزيمة تطيح بتاجه. ولعلنا الآن نفهم ما كان يقال عن الأعشى من أنه: "إذا مدح رفع وإذا هجا وضع"؛ فهو إذا مدح غالى في مدحه حتى رفع ممدوحه على جميع الناس، وإذا هجا أوجع لا بالشم والهجاء المقذع؛ وإنما بالتهكم والسخرية والاستهزاء.
والأعشى كثير الفخر في شعره بقبيلته وعشيرته، وهو يجمع لهما ضروب المفاخر والمناقب التي كانوا يعتزون بها في الجاهلية من الجود في الجدب والشجاعة في الحرب والرعي في المكان المخوف وإغاثة المستصرخ. وكثيرًا ما يضمن هجاءه لمن يختلف معهم من قبيلته الكبرى بكر وقبيلته الصغرى قيس بن ثعلبة فخرًا مدويًّا، كقوله في معلقته التي أشرنا إليها آنفًا متوعدًا يزيد بن مسهر الشيباني ومفتخرًا بشجاعة قبيلته وما أثخنت في القبائل من جراح:
سائِل بَني أَسَدٍ عَنّا فَقَد عَلِموا ... أَن سَوفَ يَأتيكَ مِن أَنبائِنا شَكَلُ2
وَاِسأَل قُشَيرًا وَعَبدَ اللَهِ كُلُّهُمُ ... وَاِسأَل رَبيعَةَ عَنّا كَيفَ نَفتَعِلُ3
إِنّا نُقاتِلُهُم ثُمَّتَ نُقَتِّلهُم ... عِندَ اللِقاءِ وَهُم جاروا وَهُم جَهِلوا
لَئِن مُنيتَ بِنا عَن غِبِّ مَعرَكَةٍ ... لَم تُلفِنا مِن دِماءِ القَومِ نَنتَفِلُ4

1 السوام: الإبل الراعية ويقصد بها الأعشى ديار العرب. تعبد: تصبح كالعبد، يريد أنه يهزم ويقهر.
2 شكل: أزواج مختلفة يريد خبرًا من بعد خبر
3 نفتعل هنا: نفعل العظائم.
4 غب: عقب، يقصد أنهم لا يتعبون من لقاء الأعداء؛ فإن لقيهم بعد معركة فسيجدهم على أتم استعداد للقاء. ننتقل: ننتفي، ويروي ننتقل.
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف    جلد : 1  صفحه : 352
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست