نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 428
المناذرة والغساسنة سفيرًا لقومه الذبيانيين، وكيف كان يحتل بين الشعراء مكانة مرموقة في داخل الجزيرة وفي مكة وسوق عكاظ. وبحثت في ديوانه على ضوء رواية الأصمعي، وأنكرت منها خمس قصائد على رأسها قصيدته في المتجردة وشعره من هذه الناحية أوثق من شعر امرئ القيس لأنه أقرب منه عهدًا، ولم تدخل الأسطورة في حياته ولا في شعره. ووقفتُ عند ما اشتهر به من مديح واعتذار؛ مبينًا قدرته على الوصف ورصف الموضوعات وتنسيق المعاني وابتكار الصور والأخيلة، يهديه في ذلك كله ذوق مهذب، هذبته الحضارة التي نعم بها في الحيرة وعند الغساسنة؛ فإذا هو صاحب حس دقيق وشعور رقيق.
وكان يعاصره زهير بن أبي سُلمى المزني، وقد نشأ في بني مرة الذبيانيين بحيث عُدَّ فيهم، وتصادف أن كان خاله شاعرًا وأن كان زوج أمه أوس بن حَجر من كبار الشعراء الجاهليين؛ فحَمَل عنهما جميعًا الشعر، وعاش له يتعلمه ويعلمه شعراء من بيته ومن غير بيته؛ بحيث أصبح أستاذًا لمدرسة عرفت به. وقد وقفت عند ديوانه وأسقطت منه ما أسقطه الأصمعي. ولا حظت أن الشعر عنده انتهى إلى صورة مثالية من التنقيح والتحبير في قوالبه وصيغه تحبيرًا لاحظه القدماء إزاء بعض مطولاته، فقالوا: إنه يصنع القصيدة في حول كامل، وإن له سبع حوليات. وهو يضم إلى هذا التحبير عناية بعيدة بالتشبيهات والاستعارات؛ بحيث يُعَدُّ حقًّا شاعر التصوير في العصر الجاهلي وكان يكثر من الحكم ومن الدعوة إلى الخير والسلام؛ فلا نغلو إذا قلنا إن شعره يعد صورة رفيعة للخير والحق والجمال.
وانتقلت إلى الأعشى، فتحدثت عن حياته التي كان ينفقها منتقلًا في أنحاء الجزيرة، ثم عرضت لديوانه، واضطررت لبحثه من خلال رواية يكثر فيها الانتحال، وتصادف أن كان راوية شعره مسيحيًّا، فنحله كثيرًا من الأفكار المسيحية، وتداول شعره القصاص والوعاظ المسلمون، فأضافوا إليه أشعارًا كثيرة، لغرض العظة والاعتبار. كما أضاف إليه الرواة غير قصيدة، كقصيدته رقم24 التي تحكي قصة وفاء السموأل. وجَعَلنا هذا كله نشك في كثير من قصائده وأشعاره، وإذا بنا نرفض أكثرها، ولا نبقي له إلا على نحو عشرين قصيدة. وقد لاحظت عليه غلوًّا في المديح وتأثرًا دقيقًا بالحضارة التي عاصرته في الحيرة؛ حتى
نام کتاب : تاريخ الأدب العربي العصر الجاهلي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 428