النفوس؛ من اكتشافها لذواتها، ومعرفتها بقدرها، فراحت من ثم تدك بإيمانها معاقل الأكاسرة وعروش الأباطرة والجبابرة، وتقود ولاياتهم إلى حظيرة الإسلام.
وعلى هذا: فإن شعر الفتح بتصويره للآثار النفسية لما تمثله العرب من روح الإسلام، يكشف في جلاء عن الأسباب الفاعلة في انتقال هذه الأمة من ضلال وضعف وتخبط في عمايات الفتن والتناحر، إلى ما صارت إليه من اقتدار على رسم خريطة جديدة للعالم وقتذاك.
وفضلًا عن ذلك يرسم شعر الفتح صورًا لبأس المسلمين في حومات الوغى وزحمات القتال، لا يغادر في سبيل ذلك معركة أو اشتباكا، حتى ليعد وثيقة تاريخية هامة في هذا السبيل، تسجل النتائج الناجمة عن الفتوح، من احتكاك بالبيئات الجديدة، وتأثر النفوس العربية المنطلقة بتلك الأجواء الغربية في طبيعتها وحياتها، وسبل هذه الحياة، وعما استحدثته في ظروف البعد عن المواطن الأولى، من استشعار الاغتراب والحنين، وعن هجرة البذور الأولى للشعر العربي إلى الأمصار والمناطق المفتوحة، وتصوير حياة المسلمين في هذه البقاع، وعلاقاتهم بأولي الأمر فيها قبل استقرار المجتمعات الإسلامية.
وقد عنيت في هذا الموضوع الذي يتخذ تلك الفترة المهمة من تاريخ الإسلام مسرحًا له باستجلاء طبيعة الفتوح ومظاهرها، وطوابع الشعر، وخصائص الشعراء، متوخيًا بتلك العناية أن أعرض شعر الفتوح الإسلامية في معارض شتى، مكسوة بالتاريخ، ومحفوظة بتأثيرات الدين الجديد وروحه ومثله في نفوس المسلمين، لما لهذه الفترة من ارتباط وثيق بالدين الحنيف، ولما لهذه الفتوحات من صلة وثيقة بروح الأمة الإسلامية في هذا الزمان، وارتباطها بتصوير مجدها وعزها.
فشعر المعارك الحربية كان أبدًا ودائمًا ولدى جميع الأمم سجل فخرها، وعنوان بأسها وأناشيد بطولتها، وقد اخترت أن تكون رسالتي في هذا السبيل وسيلة متواضعة للفت أمتنا العربية في عزة حاضرها وتوثبها إلى مجد ماضيها وعظمته، واجتلاء تصوير الشعر لما اضطلع به المسلمون الأُوَل من واجبات مقدسة ضخمة في سبيل نشر معتقدهم، وما عانوا في هذا السبيل من حياة القلق والحركة