مقدمة:
موضوع هذا الكتاب "شعر الفتوح الإسلامية في صدر الإسلام"، وهو يتناول الدراسة الفنية في شعر المحاربين من العرب المسلمين في فترة مشرقة من فترات تاريخهم، بل لعلها أكثرها إشراقًا، فهي الفترة التي تزخر بأسمى المشاعر الروحية الإسلامية، ويتجلى فيها أثر الإسلام عقيدة وفكرة في نفوس العرب، وفي حملهم على البذل والتضحية والفداء، كما أنها تصور الانقلاب الهائل الذي أحدثه الإسلام عن طريق الارتقاء بالنوازع الوجدانية القبلية والفردية الضيقة الحدود إلى وجدان متوحد، من أجل هدف واحد نبيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 102، 103] .
وإلى جانب هذا التمثيل الصادق للأخوة الإسلامية تمثل العرب دينهم خير دين ارتضاه الله لهم، وأن نبيهم الذي بعث فيهم إنما بعث إلى الناس كافة، وأنهم هم ورثته في هداية هذه الأمم الضالة إلى طريق الحق، وقد خلق هذا في نفوسهم شعورًا متوثبًا، لا يقنع بالانطواء على ما تأجج في صدورهم من ألق العقيدة، فاندفعوا ينتشرون بهذا الشعور خارج حدودهم إلى الشرق والشمال والغرب، لا يأبهون بقوة في الأرض، وهم على ثقة كاملة من نصر الله لهم، وكلهم أمل في إحدى الحسنيين، الشهادة أو الظفر.
وشعر الفتوحات الإسلامية في هذه الفترة يرسم صورة مشرقة للانطلاقة الهائلة الواسعة، التي انتزعت العربي من حيزه الضيق لتطوف به في أرجاء ممتدة وبعيدة لم يستشرفها من قبل، كما أنه يرسم صورًا رائعة للفروسية العربية في ذلك الإطار الجديد الذي وضعه الإسلام لتقاليدها، وصورًا رائعة أخرى للإيمان القوى، والتصديق العميق بما وُعد به المؤمنون المجاهدون، ولصنيع هذا الإيمان بتلك