أهل اليمن ليسوا كأهل نجد والحجاز كلفا بالشعر ومعرفة به واستجابة له، فربما يفسر ذلك انعدام هذه الروح العصبية في الشعر، وسيزول عجبنا إذا ما عرفنا أن شعر الفتح الإسلامي في الشام ليس إلا ما خلفه جند خالد بن الوليد الذين رافقوه من العراق، وفيما عدا شعرهم لا نجد إلا قلة نادرة، إذا ما قورنت بشعر الفتح في العراق وفارس، وهذا يرجع إلى أنها كانت في جمهورها يمنية، ومعنى ذلك: أن القبائل اليمنية التي فتحت الشام جنت على الشعر في هذه المناطق، ووسمتها بالإجداب والضحالة، وجعلتها من بعد مهبطًا للشعراء الوافدين.
وحدث نفس الأمر في فتح مصر؛ إذ يجمع المؤرخون على أن الجيش الذي فتح مصر بقيادة ابن العاص كانت كثرته من أهل اليمن، من عك وغافق[1]، فضلًا عمن دخلوها معه ممن أسلم من عرب الشام قبل اليرموك[2]، وأولاد الأبناء اليمنيين الذين كانوا بصنعاء، ومسلمة الروم من بني ينة، وبني الزرق، وبني روبيل، ممن عرفوا بالحمراء، وكانوا قد أسلموا قبل اليرموك[3]. كما انضم إليه عرب سيناء من قضاعة، وبعد أن فصل عن العريش لحق به قوم من بني راشدة وقوم من لخم. وبهذا يشكل أهل اليمن نواة الجند الإسلامي في مصر، وتتابع الأمداد بعد ذلك. وإذا كان المؤرخون يختلفون حول هذه الأمداد وأعدادها فإنهم لا يذكرون شيئًا عن كيفية تصنيفها[4].
وبرغم هذا فإننا لو رجعنا إلى تسمية القبائل في الخطط التي نزلتها لاتضح لنا أن كثرتها من عرب اليمن[5]. ونعلم أن هذه القبائل لم تشترك جميعها في الفتح، وإنما وفدت كثرتها بعد أن استدعاها ذووها من الفاتحين. وتذكر بعض الروايات أن جموعًا كبيرة من هذيل قد دخلت مصر مع أمداد عمر لعمرو[6]، وأنها نزلت في الحمراء الوسطى[7]. وقد تميز دخول المسلمين إلى مصر بمثل ما تميز به دخولهم إلى العراق، من [1] راجع ما سبق في الصحيفة السابقة. [2] الانتصار لابن دقماق ج4، ص5. [3] ابن عبد الحكم ص129، المقريزي ج1، ص298. [4] ابن عبد الحكم ص53. [5] صبح الأعشى ج3، ص31، 32. [6] الأغاني ج20، ص167، الإصابة ج1، ص117. [7] المقريزي ج1، ص298.