ومن كتب الأدب التي عنيت بشعر الفتح "الأغاني"، وذلك في تراجم الشعراء الذين كان لهم بلاء في حركة الفتح، برغم اقتصاره على الترجمة لأولئك المشهورين من الشعراء دون عناية بغيرهم. وكذلك "الشعر والشعراء" لابن قتيبة" و"طبقات الفحول" لابن سلام، وما يرويانه من الشعر قليل إلى جانب ديوان أبي محجن الثقفي، وهو ديوان مفرد، ليس لشاعر من شعراء الفتح ديوان غيره.
هذا فضلًا عن كتب أدبية أخرى، لا يجد الباحث فيها غير قصائد قليلة، كذيل الأمالي، والخزانة، وديوان الهذليين، والمؤتلف والمختلف، والمفضليات، والحيوان، وغير ذلك كثير.
هذا عن مصادر الشعر. وقد يفيد الباحث من تعددها في التحقيق من أصالة الشعر، وصحة نسبته إلى صاحبه، أما عن المصادر العامة لحركة الفتح وحوادثه فهي كثيرة ومتعددة أيضًا، إلا أنها كثيرًا ما تختلف في تحديد التواريخ التي وقعت فيها بعض المعارك، وقليلًا ما تتفق على وقوع معركة في تاريخ واحد محدد، ونادرًا ما تشير إلى تصنيف الجيوش والإمدادات التي انطلقت من شبه الجزيرة إلى ميادين القتال، أو إلى الكيفية التي خرجت عليها في تصنيفها.
ومهمة الدارس هنا أن يحاول مقارنة الأحداث والوقائع في الروايات المختلفة في إطار التاريخ العام، وعلى ضوء ما يروى من الشعر لو كان في ذلك غناء، وتجميع هذه الأثارات من خلال الموضوعات التي لا تقصد إلى ما يبغي، ولم أطرافها ليكون منها -جاهدًا- صورة لتصنيف الجند قريبة من الأصل أو دالة عليه.
وكذلك تصعب مهمة الدارس أمام الاختلاط الذي يصادفه في حوادث الفتح وتضارب بعضها، فيعكف على تتبع الروايات التاريخية وتنسيقها، وتحري الدقة في ترتيبها زمنيًّا وميدانيًّا، ووضعها في إطار الخطة الإسلامية العامة للفتوح.
ويرجع هذا الاختلاط في حوادث الفتح إلى ما كان من وقوع هذه الأحداث في أكثر من ميدان في آن واحد، وإلى أن فتح بعض البلدان قد تكرر أكثر من مرة لانتقاضها وإعادة فتحها من جديد، وبهذا يؤرخ لفتحها مرتين، أو يكتفي بالتأريخ لها في المرة الثانية دون الأولى، فتضيع الحقيقة ويحدث الاضطراب.