ولا يستطيع باحث في هذا السبيل أن يجحد قيمة الفائدة التي تعود عليه إذا ما اهتدى خلال هذه الدروب الملتوية بدراسات المرحوم الدكتور محمد حسين هيكل عن الصديق أبي بكر والفاروق عمر، فكثيرًا ما كانت تكشف اللبس وتزيل الغموض، وتقود إلى الحقيقة في التأريخ للفتوح، وفي تحديد المواقع والأماكن، تحديدًا يساعد على اكتمال الصورة التي يحاول الدارس تكوينها، حتى لا يكون حديثه عنها حديثًا مجردًا عائمًا، ولترتبط الأسماء والمواقع بمدلولاتها ارتباطًا وثيقًا.
بينما كانت مصادر هذه الدراسة في بابها الخاص بشعر الفتح هي: كتب الصحابة والتاريخ والفتوح والجغرافيا التاريخية والأدب، فإن الباب الثاني الخاص بشعراء الفتح لم يقتصر على الكتب الأدبية الصرفة التي تترجم للمشهورين منهم، وإنما كان من الضروري الاعتماد على كل ما يمت إلى الفتوح بسبب، من كتب التراجم والصحابة والتاريخ والجغرافيا وغيرها.
وقد نظرت لدى محاولة الدراسة الفنية لهذا الشعر واجتلاء مقوماته وطوابعه إلى ما سبقني إلى هذا الموضوع أو بما يماثله، من دراسات للشعر الحماسي وشعر الحروب، فوجدت أن المتقدمين قد عالجوه بسبيل مطالب أخرى غير الدراسة الفنية؛ كالتاريخ واللغة في تفسير كلماتها، أو للإعراب في مناقشة وجوه، لا يعنيهم سوى جمعه فحسب، بعد أن يتخيروا أحسنه، دون تصنيف أو تنسيق ينتمي إلى التاريخ أو إلى الفن، ولا يربط بين مختاراتهم سوى وَحْدَة الموضوع.
ومن ثم فإن الباحث في هذا السبيل لا يجد دراسة بعينها تتعمق في البحث الفني في مقومات شعر البطولة والحرب، وتُعْنَى بالكشف عن طوابعه بعامة، وفي خلال هذه الحركة الهائلة في تاريخ الإسلام بخاصة.
وقد يصادف الدارس كتابًا أو كتابين لبعض الباحثين المحدثين في هذا السبيل فيظن فيهما غناء، ولكنه لا يلبث أن يصاب بخيبة أمل، فهذا كتاب يدرس "المجتمعات الإسلامية في القرنين الأول والثاني الهجريين" ويمهد لهذه الدراسة بدراسة تمهيدية ضافية لحركة الفتح الإسلامي، إلا أنها لا تسلم في أجزائها