سعدون
قال عطاء السلمي احتبس عنا القطر بالبصرة فخرجنا نستسقي فإذا بسعدون المجنون فلما أبصرني قال يا عطاء إلى أين؟ قلت خرجنا نستسقي فقال بقلوب سماوية أم بقلوب خاوية؟ قلت بقلوب سماوية، فقال لا تبهرج فإن الناقد بصير، قلت ما هو إلا ما حكيت لك فاستق لنا، فرفع رأسه إلى السماء، وقال: أقسمت عليك الا سقيتنا الغيث، ثم أنشأ يقول:
أيا من كلما نودي أجابا ... ومن بجلاله ينشي السحابا
ويا من كلم الصديق موسى ... كلاماً ثم ألهمه الصوابا
ويا من رد يوسف بعد ضر ... على من كان ينتحب انتحابا
ويا من خص أحمد باصطفاء ... وأعطاه الرسالة والكتابا
إسقنا. قال: فأرخت السماء شآبيب كأفواه القرب. فقلت زدني، قال ليس ذا الكيل من ذاك البيدر، ثم قال:
سبحان من لم تزل له حجج ... قامت على خلقه بمعرفته
قد علموا أنه مليكهم ... يعجز وصف الأنام عن صفته
قال عطاء: رأيت سعدون يتفلى ذات يوم في الشمس فانكشفت عورته فقلت له استرها أخا الجهل فقال: أمالك مثلها؟ واستتر، ثم مر بي يوماً وأنا آكل رماناً في السوق ففرك أذني وقال من الجاهل أنا أم أنت؟ ثم قال:
أرى كل إنسان يرى عيب غيره ... ويعمى عن العيب الذي هو فيه
وما خير من تخفى عليه عيوبه ... ويبدو له العيب الذي لأخيه