نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 215
والإعجاب، ولا شك أن الذوق السمعي العام في كل مجموعة من البشر قد يألف أو يطرب لنوع خاص من الموسيقى والأنغام، فيجب أن يعشق نوعًا خاصًّا منها، وذلك شيء طبيعي لأنه خاضع للميول والرغبات التي تختلف في الأفراد والمجتمعات. ولكن المشاهد أيضًا، أن الذوق السمعي العام في كل أمة يكاد يكون واحدًا بين الأمة الواحدة، وإن اختلفت طبقاتها، أو تعددت مناطقها، أو كثر أفرادها، فإذا لقيت هذه الأوزان والبحور الشعرية قبولًا عامًّا من القبائل العربية في العصر الجاهلي، فذلك شيء طبيعي؛ لأنهم جميعًا قبائل عربية من أصل واحد، وفي بيئة واحدة، وظروف الحياة والمعيشة تكاد تكون واحدة، على أن البحور والأوزان التي استخرجها الخليل من الشعر القديم كانت متعددة وكثيرة، وكان للشاعر أن يختار منها ما يحلو له، وما يراه أنسب لغرضه، فاختلاف اللهجات -في اعتقادي- ليس له شأن في الأوزان الشعرية، فهذه مسألة موسيقية، وليس هناك ما يمنع أن تتفق هذه اللهجات العربية في كثير من النغمات الموسيقية، فتجمع على استحسانها والإعجاب بها، خصوصًا أن هذه اللهجات عربية، والقبائل من أصل عربي واحد. فيغلب على الظن بل إن الواقع الطبيعي يؤيد أن هذه القبائل كانت متفقة في الذوق السمعي. فاتحدت لديهم البحور والأوزان الشعرية.
وختم الدكتور طه حسين حديثه في موضوع الاختلاق والنحل في الأدب الجاهلي بالكلام عن الشواهد الشعرية التي كان يستعملها العلماء، فقال[67]: "ونلاحظ أن العلماء قد اتخذوا هذا الشعر الجاهلي مادة للاستشهاد على ألفاظ القرآن والحديث، ونحوهما، ومذاهبهما الكلامية، ومن الغريب أنهم لا يكادون يجدون في ذلك مشقة ولا عسرًا، حتى إنك لتحس كأن هذا الشعر الجاهلي، إنما قد على قد القرآن والحديث، كما يقد الثوب على قد لابسه لا يزيد ولا ينقص عما أراد طولًا وسعة، إذن فنحن نجهر بأن هذا ليس من طبيعة الأشياء وأن هذه الدقة في الموازاة بين القرآن والحديث والشعر الجاهلي لا ينبغي أن تحمل على الاطمئنان إلا الذين رزقوا حظًّا من السذاجة لم يتح لنا مثله. إنما يجب أن تحملنا هذه الدقة في الموازاة على الشك والحيرة، وعلى أن نسأل أنفسنا: أليس يمكن ألا تكون هذه الدقة في الموازاة نتيجة من نتاج المصادفة، إنما هي شيء تكلف وطلب، وأنفق فيه أصحابه بياض [67] في الأدب الجاهلي، ص108.
نام کتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي نویسنده : الجندي، علي جلد : 1 صفحه : 215