يقول: أرجو يوماً تنعم علي فيه، فيغيظ ذلك اليوم حسادي، وأرجو منك أن تبلغني يوما أقتل فيه أعدائي وأغيظ فيه حسادي، وأرجو حالة أقيم الشقاء فيها مقام التنعم: يعني يكثر فيها تعب الحرب، ومشقة القتال، ويكون ذلك الشقاء عندي بمنزلة التنعم أسر به كما أسر بالنعم.
ولم أرج إلاّ أهل ذاك ومن يرد ... مواطر من غير السّحائب يظلم
يقول: إنما رجوتك لهذا الأمر؛ لأنك أهل له قادر أن تبلغني ما أريده ولو طلبت ذلك من غيرك لكنت قد ظلمته وكلفته ما لا يقدر عليه، ووضعت الشيء في غير موضعه، وأكون كمن طلب المطر من غير السحاب.
فلو لم تكن في مصر ما سرت نحوها ... بقلب المشوق المستهام المتيّم
يقول: قصدت مصر لألقاك، ولو لم تكن فيها لما سرت إليها بقلب المشتاق: الذي عنده الشوق.
ولا نبحت خيلي كلاب قبائل ... كأنّ بها في اللّيل حملات ديلم
الديلم: الأعداء، والديلم: هذا الجيل من العجم.
وعن ابن جني قال: سئل أبو الطيب فقال: أتريد الديلم الأعداء، أو هذا الجيل من العجم؟ فقال: بل كل.
يقول: لو لم تكن في مصر، لما صرت على قبائل الأعراب، حتى حملت كلابها علي، كما تحمل الديلم في حروبها مع الصياح.
ولا اتّبعت آثارنا عين قائفٍ ... فلم تر إلاّ حافراً فوق منسم
القائف: الذي يتبع الأثر والمنسم: طرف خف البعير.
والمعنى: أنه ركب الأبل وجنب الخيل، وكانت حوافرها تقع على آثار أخفاف الإبل، فمن تبع أثره رأى أثر حوافر الخيل على أثر أخفاق الإبل.
وسمنا بها البيداء حتّى تغمّرت ... من النّيل واستذرت بظلّ المقطّم
تغمرت: أي شربت شربا قليلا. واستذرت: أي استترت. والمقطم: جبل على جانب النيل.
يقول: سرنا بالخيل والإبل في البيداء، فصارت آثارها فيها كالسمة، حتى وصلنا إلى مصر، فشربت من النيل واستترت بظل المقطم.
وأبلج يعصي باختصاصي مشيره ... عصيت بقصديه مشيري ولوّمي
الأبلج: هو الجميل، وقيل: المنقطع ما بين الحاجبين.
يقول: قصدته وعصيت من لامني فيه، وأشار علي بترك لقائه، كما عصى هو من لامه في اختصاصي.
وأراد به وزير كافور ابن خنزابة لأن المتنبي لم يمدحه. وأراد بالأبلج: كافورا.
فساق إليّ العرف غير مكدّرٍ ... وسقت إليه الشّكر غير مجمجم
جمجم الرجل بكلامه إذا لم يفصح به ولم يبينه.
يقول: لما قصدته أنعم علي نعماً غير مكدرة بمن ولا أذى، ومدحته مدحاً لا عيب فيه، ولا إشارة فيه إلى ذم.
قد اخترتك الأملاك فاختر لهم بنا ... حديثاً وقد حكّمت رأيك فاحكم
أي: قد اخترتك من الأملاك، فحذف من وأوصل الفعل إلى ما بعده فنصبه.
يقول: قد اخترتك من بين الملوك، فاختر أنت حديثاً يتحدثون به عني وعنك، وقد جعلتك حاكماً، فافعل بي فعلاً إذا سمعوه كان مختاراً عندهم.
فأحسن وجهٍ في الورى وجه محسنٍ ... وأيمن كفٍّ فيهم كفّ منعمٍ
يقول: وجه المحسن أحسن الوجوه، وكفه أكثر بركةً من سائر الأكف. ومثله لآخر:
ولم أر كالمعروف: أمّا مذاقه ... فحلوٌ وأمّا وجهه فجميل
وأشرفهم من كان أشرف همّةً ... وأكثر إقداماً على كلّ معظم
يقول: أشرف الناس من كانت همته أشرف، وإقدامه على كل أمر عظيم أكثر.
لمن تطلب الدّنيا إذا لم ترد بها ... سرور محبٍّ أو مساءة مجرم
كأنه يخاطب نفسه أو صاحبه فيقول: إن المال إنما يراد به أن تسر الودود، وترغم أنف الحسود، فإذا لم ترد هذين فلماذا تطلب المال؟! وأي معنى في طلب الجاه وحسن الحال؟!
وقد وصل المهر الّذي فوق فخذه ... من اسمك ما في كلّ عنقٍ ومعصم
يقول: قد وصل إلي المهر الموسوم باسمك، الذي هو سمة في عنق كل حي ويده، فرساً كان أو غيره.
لك الحيوان الرّاكب الخيل كلّه ... وإن كان بالنّيران غير موسّم
يقول: أنت تملك الخيل وراكبيها، وكل حيوان موسوم باسمك فالخيل موسومة بالنيران، والناس موسومون بالنعم والإحسان.
ولو كنت أدري كم حياتي قسمتها ... وصيّرت ثلثيها انتظارك فاعلم