يقول: إنما أتقاضاك بالوعد؛ لأني لا أدري كم أعيش فأخاف حلول الموت قبل الوصول إلى الموعود، ولو كنت أعلم مقدار حياتي لأمضيت ثلثيها انتظاراً لوعدك واستطابة به، فلا أتهم وعدك وإنما أتهم الأجل.
ولكنّ ما يمضي من الدّهر فائتٌ ... فجد لي بحظّ البادر المتغنّم
يقول: ما فات من العمر لا أستدركه، فجد لي بحظ من يسبق الإحسان ويغتنمه.
رضيت بما ترضى به لي محبّةً ... وقدت إليك النّفس قود المسلّم
يقول: كل شيء ترضى به لي فإني راض به، ومؤثر هواك في كل شيء، وقدت نفسي إليك قود من سلمها لك.
ومثلك من كان الوسيط فؤاده ... فكلّمه عنّي ولم أتكلّم
الوسيط: الواسطة بين الرجلين.
يقول: من كان مثلك في الكرم فقلبه يكون واسطة بيني وبينه، وينوب منابي في التشفع إليه والتقاضي له، فيتكلم عني في حاجتي ولا يحتاج أن أتكلم بها.
وخرج من عنده فقال يهجوه:
أنوك من عبدٍ ومن عرسه ... من حكّم العبد على نفسه
من مرفوعة بالابتداء وأنوك خبره وتقديره: من حكم العبد على نفسه أنوك من عبد. والهاء في عرسه قيل: تعود إلى من أي: الذي يرضى بحكم العبد، فهو أشد حمقاً من العبد، وأشد حمقاً من امرأة نفسه. وقيل: الهاء تعود إلى العبد أي يكون أحمق من العبد، ومن امرأة العبد.
وإنّما يظهر تحكيمه ... ليحكم الإفساد في حسّه
الحس: العقل.
يقول: الذي يجعله حاكماً، ويعتقد تحكيمه في الباطن، ويظهر رضاه أيضاً. أي: يرى أنه راض بتحكيمه في الظاهر، كما هو راض به في الباطن، فقد حقق الناس فساد عقله. والهاء في حسه تعود إلى من وفي تحكيمه إلى العبد وأراد به: ابن الإخشيد الذي كان في حجر كافور. ورضى بحكمه.
وروى نظهر ونحكم بالنون.
والمعنى: إنما نظهر للناس تحكيم كافور في أنفسنا؛ لتفسد حسه، لا أنا حكمناه في الحقيقة على أنفسنا، بل أظهرنا ذلك له ليزداد في حسه فساداً؛ إذ من شأن الأحمق أنه مهما حكم ازداد حمقاً. والهاء في حسه تعود إلى العبد.
ما من يرى أنّك في وعده ... كمن يرى أنّك في حبسه
يقول: ليس من يظن أنك في حبسه، كمن يظن أنك منتظر وعده. يعني: أنا في حبسه وهو يظن أني مقيم على انتظار وعده. والكاف: خطاب لنفسه. والهاء في وعده وحبسه تعود إلى من الأولى.
العبد لا تفضل أخلاقه ... عن فرجه المنتن أو ضرسه
يقول: إن العبد ليس له همة إلا في الأكل والجماع، ولا يتجاوز همه إلى مكرمة، فكيف أرجوه؟!
لا ينجز الميعاد في يومه ... ولا يعي ما قال في أمسه
الهاء في يومه قيل: للميعاد أي في يوم الميعاد وقيل: للعهد.
يقول: إذا وعد وعداً لم ينجزه، وإذا صار إلى يوم آخر، نسى وعده بالأمس؛ لجهله، فمن هذا حاله فكيف يرجى نواله!؟
وإنّما تحتال في جذبه ... كأنّك الملاّح في قلسه
القلس: حبل السفينة.
يقول: إذا وعد شيئاً تحتاج إلى الاحتيال في جذبه إلى ذلك الموعود، فإن أغفلت جره تأخر، كما أن الملاح يحتاج إلى جر السفينة في النهر مصعداً لها، فإن ألقى الحبل من يده، انجرت مع الماء.
فلا ترجّ الخير عند امرئٍ ... مرّت يد النّخّاس في رأسه
في رأسه: أي على رأسه.
يقول: لا ترج خيراً عند من كان عبداً، فمرت على رأسه يد النخاس بالصفع، فإنه لا خير عنده.
وإن عراك الشّكّ في نفسه ... بحاله فانظر إلى جنسه
يقول: إن عرض لك شك في أمره بحسن حاله، فلا تغتر بتلك، وانظر إلى جنسه من العبيد فإن خلقه كأخلاقهم، والشيء إذا التبس حاله بغيره، يرد إلى جنسه.
فقلّما يلؤم في ثوبه ... إلاّ الّذي يلؤم في غرسه
الغرس: جلدة رقيقة تخرج على رأس المولود.
يقول: قلما يلؤم في ثوبه إلا الذي يولد وهو لئيم، فكل شيء ينزع إلى أصله.
من وجد المذهب عن قدره ... لم يجد المذهب عن قنسه
القنس: الأصل.
يقول: من وجد طريقاً إلى أن يتجاوز قدر نفسه ويباين أشكاله، فإنه لا يجد طريقاً يتجاوز أصله وينحرف به عن لؤم نفسه.
واتصل قوم من الغلمان بالصبي مولى الأسود، فأنكر ذلك عليهم وطالبه بتسليمهم إليه، فجرت بينهما وحشة أياماً، ثم سلمهم إليه فقتلهم واصطلحا، فطولب أبو الطيب بأن يذكر الصلح فقال في ذلك: