وأختم هذا المبحث بوصية الإمام لأصحابه يحثهم فيها على تعلم الفقه، وينهاهم عن الكلام والخصومات في الدين.
قال محمد بن الحسن: "كان أبو حنيفة يحثنا على الفقه وينهانا عن الكلام" [1].
وقال لأبي يوسف: "إياك أن تكلم العامة في أصول الدين من الكلام، فإنهم قوم يقلدونك فيشتغلون بذلك" [2].
وقد وفّى أصحابه بهذه الوصية فهذا أبو يوسف ينهى عن الخصومة والجدال في الدين والمراء فيه؛ حيث يقول آمرا أصحابه: "ذروا الخصومة في الدين، والمراء فيه والجدال؛ فإن الدين واضح بيّن، قد فرض الله عزَّ وجلَّ فرائضه، وشرع سننه، وحدّ حدوده، وأحل حلاله، وحرم حرامه، فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِينا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} "ٍسورة المائدة: الآية3".
فأحلوا حلال القرآن وحرموا حرامه، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال فيه، فلو كانت الخصومة في الدين تقوى عند الله لسبق إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده فهل اختصموا في الدين أو تنازعوا فيه؟
وقد اختصموا في الفقه وتكلموا فيه، واختلفوا [3] في الفرائض [1] ذم الكلام "ق-196-ب". [2] مناقب أبي حنيفة للمكي ص373. [3] لعله يريد أنهم اختلفوا في هذه المسائل من مسائل الدين ولم يكن اختلافهم موجبا للخصومة والتفرق بينهم، أو أنه أراد أنهم اختلفوا في مسائل فرعية من الدين ولم يختلفوا في الأصول.