"أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام وغيره بنفسها، وتعود بنفسها فترسو بنفسها وترجع، كل ذلك من غير أن يديرها أحد؟
فقالوا: هذا محال لا يمكن أبدا، فقال لهم: إذا كان هذا محالا في سفينة، فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟ ... " [1].
وقد ذكر المكي هذه المناظرة بصيغة أخرى مشابهة لها، وفيها أن الإمام أبا حنيفة قال لهم: "ما تقولون في رجل يقول لكم إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال، مملوءة من الأمتعة، وقد احتوشتها في لجة البحر أمواج متلاطمة، ورياح مختلفة، وهي من بينها تجري مستوية ليس فيها ملاح يجريها ويقودها ويسوقها، ولا متعهد يدفعها هل يجوز ذلك في العقل؟
فقالوا: لا، هذا لا يقبله العقل، ولا يجيزه الوهم.
فقال لهم أبو حنيفة: فيا سبحان الله، إذا لم يجز في العقل وجود سفينة تجري مستوية من غير متعهد، فكيف يجوز قيام الدنيا على اختلاف أحوالها وتغيّر أمورها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ ومحدث لها؟ ... " [2].
وكذلك وقعت مناظرة أخرى بين الإمام وملحد دهري ذكرها أبو الليث السمرقندي في شرحه للفقه الأكبر، وفيها أن الإمام ناظر دهريا وألقى عليه الحجة.
فقال الدهري: "إنما تغيرت الأشياء من حال إلى حال لأن بناءها [1] شرح العقيدة الطحاوية ص25، 26؛ وشرح الفقه الأكبر للقاري ص14. [2] مناقب أبي حنيفة للمكي ص151.