كما ذكر شارح وصية ابي حنيفة أن ذلك إنما هو في حق الصحابة رضي الله عنهم، لأن القرآن كان ينزل في كل وقت فيؤمنون به، فيكون زيادة على الأول، وأما في حقنا فلا، لانقطاع الوحي [1].
وقد ذهب بعضهم في الجمع بين رأي أبي حنيفة هذا وبين الآيات المصرحة بزيادة الإيمان إلى القول بأن الزيادة محمولة على الزيادة في ثمرات الإيمان بالأعمال الصالحة فتكون الزيادة في كمال الإيمان لا في أصله [2]. ولا يخفى أن هذا الرأي الأخير لا يتفق مع رأي أبي حنيفة الذي يجعل العمل مغايراً للإيمان، وثمرة الشيئ تحمل اسمه، ولم يقلْ أبو حنيفة أن الأعمال إيمان. وعلى كل حال، فهذه التأويلات، والمحاولة للتوفيق لرأي أبي حنيفة مع ما خالفه من صريح النصوص القرآنية، والحديثية التي تنطق صراحة وبدون أدنى شبهة بالزيادة في الإيمان فيها تكلُّف وعنت، لا ينبغي للعلماء أن يطرقوه، وهم يعلمون عدم ملاءمته، من أجل تبرير خطأ أحد الأئمة وقد عُرِف عنه الالتزام بالنص والحثِّ على الالتزام به، واتباع تعاليمه، والضرب برأيه عرض الحائط إذا خالفه.
رأيه في مرتكب الكبيرة:
أما عن مرتكب الكبيرة فمذهب أبي حنيفة فيه، هو عين مذهب السلف، إذ جعله تحت المشيئة بين الخوف والرجاء، مما حدا بشارح العقيدة الطحاوية أن يعتبر الخلاف بينه وبين السلف، فيما سبق تقريره في حقيقة الإيمان خلافاً لفظياً، حيث قال: " والاختلاف الذي بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنة اختلاف صوَريّ، فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب، أو جزءاً من الإيمان مع الاتفاق على أن مرتكب [1] الجوهرة المنيفة شرح وصية أبي حنيفة لحسين السكندري، ص5، مخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم288. [2] انظر: شرح عقائد الطحاوي لأكمل الدين الباباراني، مخطوطة بمكتبة أسعد أفندي، استانبول، غير مرقمة الصفحات. وشرح المقاصد للتفتازاني، ج2 ص262.