وهذه الآية من أظهر الأدلة على هذه القضية، ومع ذلك عمد النفاة إلى تأويلها، وتحريفها عن موضعها، حيث قاموا بتأويل النظر الوارد في الآية إلى معنى الانتظار فكأنه - تعالى - قال: وجوه يومئذ ناضرة لثواب ربها منتظرة[1].
إلا أن البيهقي - رحمه الله - تصدى لهذا التأويل، فرده حيث قام بحصر معاني النظر الواردة في القرآن الكريم، متوصلاً بذلك إلى أن المقصود به في هذه الآية الرؤية، حيث قال - رحمه الله -:
"وليس يخلو النظر من وجوه: إما أن يكون الله عز وجل عنى به نظر الاعتبار كقوله: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} [2]، أو يكون عنى به نظر الانتظار كقوله: {مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} [3] أو يكون عنى نظر التعطف والرحمة كقوله: {وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} [4]، أو يكون عنى الرؤية كقوله: {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [5].
ولا يجوز أن يكون الله سبحانه عنى بقوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} نظر التفكر والاعتبار، لأن الآخرة ليست بدار استدلال واعتبار، وإنما هي دار اضطرار، ولا يجوز أن يكون عنى نظر الانتظار لأنه ليس في شيء من أمر الجنة انتظار، لأن الانتظار معه تنغيص وتكدير، والآية خرجت مخرج [1] انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبّار ص: 245، وديوان الأصول للنيسابوري، ص: 604. [2] سورة الغاشية آية: 17. [3] سورة يس آية: 49. [4] سورة آل عمران آية: 77. [5] سورة محمّد آية: 20.