البشارة لأهل الجنة، فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من العيش السليم، والنعيم المقيم، فهم ممكنون مما أرادوا، وقادرون عليه، وإذا خطر ببالهم شيء أتوا به مع خطوره ببالهم، وإذا كان ذلك كذلك لم يجز أن يكون الله أراد بقوله {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} نظر الاعتبار.
ولأن النظر إذا ذكر مع ذكر الوجوه فمعناه: نظر العينين اللتين في الوجه. كما قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [1]، وأراد بذلك تقلب عينيه نحو السماء ولأنه قال: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ونظر الانتظار لا يكون مقروناً بإلى، لأنه لا يجوز عند العرب أن يقولوا في نظر الانتظار "إلى" ألا ترى أن الله عز وجل قال: {مَا يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} [2]، لم يقل "إلى" إذ كان معناه الانتظار ... ولا يجوز أن يكون الله سبحانه أراد نظر التعطف والرحمة، لأن الخلق لا يجوز أن يتعطفوا على خالقهم.
فإذا فسدت هذه الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع من أقسام النظر وهو أن معنى قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} أنها رائية ترى الله عز وجل. ولا يجوز أن يكون معناه إلى ثواب ربّها ناظرة، لأن ثواب الله غير الله، وإنما قال: {إِلَى رَبِّهَا} ولم يقل: إلى غيرربها ناظرة، والقرآن على ظاهره، وليس لنا أن نزيله عن ظاهره إلا بحجة"[3].
فالبيهقي - رحمه الله - يرى أن هذه الآية صريحة في الرؤية لأن الاستعمالات الواردة في النظر لا مكان لها هنا، لأن كل استعمال له صيغة خاصة وهذه تختلف عنها، وقد قرن النظر فيها صراحة بالوجه ولا معنى لذلك سوى الرؤية بالعينين اللتين فيه. [1] سرة البقرة آية: 144. [2] سورة يس آية: 49. [3] الاعتقاد ص: 45، 46.