وحتى ندرك الفرق بين المشيئة النافذة والقدرة الشاملة فعلينا أن نعلم أنهما تجتمعان فيما كان وما سيكون، وتفترقان فيما لم يكن ولا يكون.
فما كان وما سيكون كلُّه بقدرة الله التي شملت كلَّ شيء، وأيضاً نفذت مشيئة الله فيما كان فوقع، وستنفذ مشيئته فيما سيكون فيقع.
وأما الأمور التي ما كانت ولا تكون فهذه تشملها القدرة الشاملة، فمثلاً: أهل النار عندما يدخلون النار يسألون الله عز وجل أن يعيدهم إلى الحياة الدنيا ليعلموا صالحاً غير الذي عملوا، فقدرة الله شاملة لذلك، فهو سبحانه قادر على أن يعيدهم إلى الحياة الدنيا مرة أخرى، لكن لم يشأ ذلك؛ لأنه لو شاءه لأعادهم. وبهذا يتضح الفرق بين المشيئة النافذة والقدرة الشاملة.
والمشيئة كونية قدرية. ومن الآيات المثبتة للمشيئة: الآية المتقدمة، وهي قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [1] ونظائرها في القرآن كثير.
" والإرادة ": وهي صفة من صفات الله تعالى، ومن يتتبع أدلة الكتاب والسنة يجد أن النصوص دلت على أن الإرادة نوعان:
1ـ إرادة كونية قدرية، وهي كما قال أهل العلم مرادفة للمشيئة، مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [2]، وقوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} [3]، فالإرادة هنا كونية قدرية، وهي ترادف المشيئة.
2ـ وإرادة شرعية دينية، ومن لوازمها محبته تبارك وتعالى لهذا الشيء الذي أراده، فهي تتضمن المحبة بخلاف الإرادة الكونية القدرية فقد يريد الله [1] الآية 35 من سورة الأنعام. [2] الآية 82 من سورة يس. [3] الآية 16 من سورة الإسراء.