نام کتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب نویسنده : الأشعري، أبو الحجاج جلد : 1 صفحه : 143
الإجماع الثامن عشر
وأجمعوا على أن الخلق لا يقدرون على الخروج مما سبق في علم الله فيهم، وإرادته لهم، وعلى أن طاعته تعالى واجبة عليهم فيما أمرهم به، (وإن كان) [1] السابق من علمه فيهم وإرادته لهم أنهم لا يطيعونه، وأن ترك معصيته لازم لجميعهم، وإن كان السابق في علمه وإرادته أنهم يعصونه، وأنه تعالى يطالبهم بالأمر والنهي، ويحمدهم على الطاعة فيما أمروا به، ويذمهم على المعصية فيما نهوا عنه، وأن جميع ذلك عدل منه تعالى عليهم كما أنه تعالى عادل على من خلقه منهم مع علمه أنه يكفر إذا أمره، وأعطاه القدرة التي يعلم أنها تصيره إلى معصيته، وأنه عدل في تبقيته المؤمنين إلى الوقت الذي يعلم أنهم يكفرون فيه ويرتدون عما كانوا عليه من إيمانهم، وتعذيبهم لهم على الجرم المنقطع بالعذاب الدائم، لأنه عز وجل ملك لجميع ذلك فيهم غير محتاج في فعله إلى تمليك غيره له ذلك، حتى يكون جائراً فيه قبل تملكه، بل هو تعالى في فعل جميع ذلك عادل له وله مالك يفعل ما يشاء، كما قال عز وجل: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [2]. [1] في (ت) : "والكفر". [2] سورة البروج آية: (16) .
ينص الأشعري في هذا الإجماع أيضاً على أن الله قدر المقادير خيرها وشرها، وأن العباد لا يقدرون على الخروج عما قدر عليهم، وهو سبحانه وتعالى عادل في جميع ذلك، ولا يعترض على الله سبحانه في شيء من ذلك أو يدعي أحد أن ذلك فيه إسقاط للأمر والنهي، أو أنه ظلم وجور تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. (انظر ما سبق ذكره في الإجماع السابع عشر)
كما تعرض الأشعري في الإبانة لهذه المسألة بتفصيل أكثر. (انظر 9، 10) ولعله من الملاحظ أن الأشعري هنا يعرف الظلم الذي نزه الله نفسه عنه، بأنه: التصرف في ملك الغير، أما التصرف فيما يملك فليس بظلم، وتأمل قوله في ذلك: "… لأنه عز وجل ملك لجميع ذلك فيهم…".
وتعريف الأشعري الظلم بذلك يخالف ما عليه سلف الأمة، كما ذكر ذلك عنهم ابن تيمية في تعريفه الظلم عند الطوائف المختلفة في قوله: "قالت طائفة: الظلم ليس بممكن الوجود، بل كل ممكن إذا قدر وجوده منه عدل، والظلم هو الممتنع مثل الجمع بين الضدين، وكون الشيء موجوداً ومعدوماً، فإن الظلم: إما التصرف في ملك الغير، وكل ما سواه ملكه، وإما مخالفة الأمر الذي تجب طاعته، وليس فوق الله تعالى آمر تجب عليه طاعته، وهذا قول المجبرة مثل جهم ومن اتبعه، وهو قول الأشعري وأمثاله من أهل الكلام.
والطائفة الثانية قالت: بأنه عدل لا يظلم، لأنه لم يرد وجود شيء من الذنوب، لا الكفر ولا الفسوق، ولا العصيان، بل العباد فعلوا ذلك بغير مشيئته، وهذا قول القدرية من المعتزلة وغيرهم.
والطائفة الثالثة قالت: إن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، والعدل وضع الشيء في موضعه، وهو سبحانه حكم عدل يضع الأشياء مواضعها.. ثم قال: وما ذكرناه من الأقوال الثلاثة نضبط أصول الناس فيه، ونبين أن القول الثالث هو الصواب، وبه يتبين أن كل ما يفعله الرب فهو عدل، وأنه لا يضع الأشياء في غير موضعها، فلا يظلم مثقال ذرة، ولا يجزي أحداً بغير ذنبه، وهذا قول أهل السنة". (انظر في ذلك رسالته في معنى كون الرب عادلاً وفي تنزهه عن الظلم ضمن جامع الرسائل 123- 126) .
ويقول ابن القيم: "إن الله نزه نفسه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير موضعه، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها وذلك خير كله، والشر وضع الشيء في غير محله، فإذا وضع في محله لم يكن شراً". (انظر شفاء العليل ص378) .
نام کتاب : رسالة إلى أهل الثغر بباب الأبواب نویسنده : الأشعري، أبو الحجاج جلد : 1 صفحه : 143