فعلى هذا إذا كانت الروح مما يشار إليه ويتبعه بصر الميّت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الروح إذا خرج تبعه البصر"[1]، وإنها تقبض ويعرج بها إلى السماء كانت الروح جسماً بهذا الاصطلاح.
والمقصود، أن الروح إذا كانت موجودة حية عالمة قادرة، سميعة بصيرة، تصعد وتنزل، وتذهب وتجيء، ونحو ذلك من الصفات، والعقول قاصرة عن تكييفها وتحديدها، لأنهم لم يشاهدوا لها نظيراً، والشيء إنما تدرك حقيقته إما بمشاهدته أو بمشاهدة نظيره، فإذا كانت الروح متصفة بهذه الصفات مع عدم مماثلتها لما يشاهد من المخلوقات، فالخالق أوْلى بمباينته لمخلوقاته مع اتصافه بما يستحقه من أسمائه وصفاته،
وأهل العقول هم أعجز أن يحدّوه أو يكيّفوه (منهم عن أن يحدّوا الروح أو يكيفوها) .
فإن كان من نفى صفات الروح جاحداً معطلاً لها، ومن مثَّلها بما يشاهده من المخلوقات جاهلاً ممثلاً لها بغير شكلها، وهي مع ذلك ثابتة بحقيقة الإثبات مستحقة لما لها من الصفات فالخالق سبحانه وتعالى أوْلَى أن يكون من نفى صفاته جاحداً معطلاً، ومن قاسه بخلقه جاهلاً به ممثلاً، وهو سبحانه ثابت بحقيقة الإثبات، مستحقٌ لما له من الأسماء والصفات".
معاني الكلمات:
المثال: هو قياس شيء على شيء، فالأمثال أقيسة عقلية تقرب المعاني إلى الأفهام.
المباينة: المفارقة.
الحقائق: جمع حقيقة.
عناصر الموضوع:
1 ـ لماذا عقد شيخ الإسلام هذا المبحث؟
عقد شيخ الإسلام هذا المبحث لتقرير صفات الرب سبحانه وتعالى وأن إثباتها لا يستلزم تشبيهاً. [1] أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (2/634) برقم 92. من حديث أم سلمة رضي الله عنها.