2 ـ المقصود بالمثل الأول وهو نعيم الجنة:
أن الله تعالى أخبرنا أن في الجنة نعيماً سواء في المأكل والمشرب والمسكن والملبس وكل ما سماها من المسميات لها نظير في الدنيا، فموجودات الآخرة من النعيم مثل موجودات الدنيا من النعيم والاسم والمعنى العام ولكن الحقيقة والكنه مختلف كما قال ابن عباس: "ليس في الدنيا شيء من الآخرة إلا الأسماء" فالاتفاق هو الأسماء والمعنى الكلي العام المشترك وأما الحقائق فهي مختلفة.
3 ـ شرح للمثل الأول:
أخبر الله تعالى أن في الجنة طعاماً وشراباً ولباساً، وزوجات ومساكن ونخلاً وفاكهة، ولحماً وخمراً ولبناً وحلية من ذهب وفضة وغير ذلك، وكله حق على حقيقته وهو في الاسم موافق لما في الدنيا من حيث المعنى لكنه مخالف في الحقيقة.
أما موافقته لما في الدنيا في المعنى فلأن القرآن عربي، ولولا موافقته له في المعنى لما فهمناه ولا عقلناه وأما مخالفته له في الحقيقة؛ لأن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء، فإذا كانت هذه الأسماء دلالة مسمياتها حقيقة وكان اتفاقهما مع ما في الدنيا من الأسماء لا يستلزم اتفاق المسميات في الحقيقة بل بينهما من التباين ما لا يعلمه إلا الله فإن مباينة الخالق للمخلوق أعظم وأظهر من مباينة المخلوق للمخلوق، لأن في التباين بين المخلوقات تباين بين مخلوق ومخلوق مثله.
4 ـ الداعي لإثبات قدر مشترك بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة:
لو لم نثبت القدر المشترك وهو الاتفاق في الاسم وفي المعنى الكلي العام لما فهم الخطاب، فلا بدّ من إثبات قدر مشترك عام تتواطأ فيه المسميات، أي تتفق في المعاني العامة: