وأما الحقائق فهي مختلفة فإن نعيم الجنة مباين لنعيم الدنيا، والدليل على مباينة نعيم الجنة لنعيم الدنيا قول الله في الحديث القدسي: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"، ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "اقرؤوا إن شئتم {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] .
فإن قيل: هذا فيما لم يذكر من نعيمها في القرآن؟
قيل: هذا يتناول هذا وذاك كما في الأسماء والصفات فإنه يشمل ما ذكر وما استأثر الله بعلمه.
5 ـ أقسام الناس فيما أخبر الله من نعيم الجنة واليوم الآخر:
افترق الناس في الأمور الغيبية فيما أخبر الله عن نفسه وعن اليوم الآخر إلى ثلاث فرق:
• الأولى: السلف والأئمة واتباعهم آمنوا بما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر، وأنه حق على حقيقته، مع اعتقادهم التباين بين ما في الدنيا وما في الآخرة، وأن التباين بين الخالق والمخلوق أولى ولأعظم وأبين لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] .
• الثانية: طوائف من أهل الكلام يؤمنون بما أخبر الله به عن اليوم الآخر من الثواب والعقاب، وينفون كثيراً مما أخبر الله به عن نفسه من الصفات.
• الثالثة: القرامطة والباطنية والفلاسفة لا يؤمنون بما أخبر الله به عن نفسه ولا عن اليوم الآخر بل ينكرون حقائق هذا وهذا.
فمذهبهم فيما أخبر الله عن نفسه وعن اليوم الآخر أنه تخيل لا حقيقة له، وأما في الأمر والنهي فكثير منهم يجلبون للمأمورات والمنهيات تأويلات باطنة تخالف ما يعرفه المسلمون منها، فيقولون: المراد بالصلوات: معرفة أسرارهم، وبالصيام: كتمان أسرارهم، وبالحج: السفر إلى شيوخهم، ونحو ذلك مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام أنه كذب وافتراء وكفر. وإلحاد