ويقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: إن الاستواء طريق العلم به، هو السمع فقط، وأما العلو فوق جميع المخلوقات، فطريق العلم به هو السمع والعقل، إذن العلو صفة ذاتية، العقل يعني: سمعية عقلية، يعني: طريق العلم بها هو السمع المطابق للعقل، وأما الاستواء فطريق العلم بها السمع، السمع يعني: النصوص السمعية النقلية من الكتاب والسنة.
ثم ذكر الشيخ -رحمه الله- بعد أن ساق جملة من النصوص الدالة على علوه -تعالى- على خلقه، ذكر النصوص الدالة على المعية، وفي هذا تناسب، ففي مقابل أدلة العلو يذكر أدلة المعية، ومن هذه النصوص آية الحديد {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [1] في سورة المجادلة {هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [2] وهذه هي المعية العامة المتضمنة للعلم، هو مع عباده أينما كانوا:
{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) } [3] والمعية في اللغة العربية: تدل على مطلق المقارنة والمصاحبة، ولا تستلزم اختلاطا ولا ممازجة، إذن فوصفه -تعالى- بأنه مع عباده لا يدل على أنه حال في المخلوقات كما زعم الملحدون الغالطون، زعموا أن هذه الآيات تدل على أنه في كل مكان مع عباده، معهم في بيوتهم، ومعهم في سائر ما يكونون فيه في كل مكان، وهذا فهم خاطئ هو مع عباده مع أنه -تعالى- في السماء، هو في السماء في العلو، مستو على عرشه، وفي نفس الوقت هو مع عباده معهم، يسمع كلامهم، ويرى مكانهم وحركاتهم وسكناتهم، ويعلم سرهم ونجواهم، لا يخفى عليه شيء من أمرهم. [1] - سورة الحديد آية: 4. [2] - سورة المجادلة آية: 7. [3] - سورة المجادلة آية: 7.