إذن هو معهم، ولا يعني ذلك أنه مع النجوى الثلاثة والأربعة، أنه معهم يعني: في المكان الذي هم فيه، وأنه متصل بهم وملاصق، كل هذا من لم يفهم من هذا الكلام إلا هذا المعنى، فهو جاف الطبع، جامد العقل، فاسد الفهم، لا يفهم من هذا إلا أن يكون الله بين أولئك النجوى، بينهم حال بينهم، داخل السقف الذي هم تحته، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وعما يظنه الجاهلون، فذلك من ظن السوء بالله، من ظن أن معنى أنه -تعالى- مع عباده يعني: أنه مخالط لهم، متصل بهم، وممازج لهم، وأنه في كل مكان، فقد ظن به ظن السوء، وظن بكلامه -تعالى- ظن السوء.
وهذه المعية عند أهل العلم، يسمونها المعية العامة؛ لأن الله مع الناس كلهم مع العباد كلهم {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [1] {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [2] نجوى أيا كانوا: مسلمين، كفار من سائر الناس، {هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [3] ومن قال من السلف إنه -تعالى- معهم بعلمه، فهو حق، إنما قال ذلك لبيان ما تقتضيه هذه المعية، أن مقتضاها العلم والسمع والبصر، وقال الإمام أحمد -عندما قال ذلك أو معناه-: إن الله -تعالى- بدأ آية المعية بالعلم وختمها بالعلم، ِ فمعنى أنه معهم أين ما كانوا يعني: معهم بعلمه، معهم، وهو فوق السماوات، هو معهم هو نفسه مع عباده على هذا النحو، على هذا الوجه، هو في السماء مستو على عرشه، وهو معهم هو نفسه لا غيره، مع عباده يعلم أحوالهم ومكانهم ويرى حركاتهم وسكناتهم، ويسمع كلامهم.
هذه المعية، وهذه تشمل كل الناس البر والفاجر الجن والإنس والملائكة، هو -تعالى- معهم. [1] - سورة الحديد آية: 4. [2] - سورة المجادلة آية: 7. [3] - سورة المجادلة آية: 7.