فعندهم أن هذا الكلام الذي سمعه موسى كلام مخلوق، خلقه الله في الشجرة، لا أنه كلام قائم به -سبحانه وتعالى- وأن موسى سمع كلام الله من الله، وهذا مع أنه تحريف للكلم عن مواضعه، فإن نفي الكلام عن الله غاية في التنقص لرب العالمين، فإن الكلام كمال، فالذي يتكلم أكمل من الذي لا يتكلم، بل إنه -سبحانه وتعالى- عندما وبخ بني إسرائيل على عبادتهم العجل، ذكر أن العجل لا يتكلم، فكيف يعبدونه { (خطأ) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ} [1] وفي الآية الأخرى {فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) } [2] .
فجعل من الدليل على بطلان إلهية العجل أنه لا يرجع إليهم قولا، ولا يرد عليهم جوابا ولا يتكلم.
وقد دل على إثبات هذه الصفة، أعني: صفة الكلام بهذا التقسيم، دل على ذلك هذه الآيات والقرآن والتوراة والإنجيل والزبور، الكل كلام الله، كلها منزلة من عند الله، التوراة التي أنزلت على موسى، والإنجيل الذي أنزل على عيسى -عليه السلام- والزبور المنزل على داود، والقرآن الكتاب المصدق لما بين يديه من الكتب، كلها كلام الله. [1] - سورة الأعراف آية: 148-1149. [2] - سورة طه آية: 88-89.