وأنه -سبحانه وتعالى- مع عباده كما في آية الحديد، فإن الله تعالى قد جمع في آية الحديد بين الأمرين: بين ذكر العلو والمعية: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [1] استوى: علا وارتفع {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) } [2] .
فمن الإيمان بالله الإيمان بعلوه تعالى، وفوقيته على خلقه، واستوائه على عرشه، وأنه تعالى مع ذلك هو مع عباده، لا يخفى عليه شيء من أمرهم، فهذا مما أخبر الله به في كتابه، وأخبر عنه به رسوله، وأجمع عليه سلف الأمة.
إذن هاتان الصفتان ثابتتان بالكتاب والسنة والإجماع، ولا منافاة بين هاتين الصفتين؛ فإنه تعالى مع علوه على خلقه واستوائه على عرشه هو مع عباده، هو مطلع على عباده، رقيب عليهم، مهيمن عليهم، لا يخفى عليه شيء من حالهم وأمرهم.
والمعية التي وصف الله بها نفسه ويجب إثباتها له لا تقتضي اختلاطا بالخلق، لا تقتضي أن يكون الله مختلطا بالخلق وحالّا في الخلق، تعالى الله عن ذلك.
يقول الشيخ: "فإن هذا المعنى الباطل لا توجبه اللغة"، المعية لا تقتضي اختلاطا ولا حلولا، لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، فالذين لم يفهموا من معيته تعالى لعباده إلا أنه مختلط بهم حالٌّ فيهم حتى يقولون: إنه في كل مكان. هؤلاء خارجون عن موجب اللغة، مخالفون لما أجمع عليه سلف الأمة، ومخالفون لما تقتضيه الفطرة السوية. [1] - سورة الحديد آية: 4. [2] - سورة الحديد آية: 4.