إذن القرآن هو كلام الله حقيقة لا مجازا، حقيقة، وأما الذين ينفون الكلام عن الله مطلقا يقولون: إنه ليس كلام الله إضافته إليه إضافة من قبيل إضافة المخلوق إلى خالقه كما تقدم. يقول الشيخ: "ولا يجوز أن يقال عن القرآن: إنه عبارة أو حكاية عن كلام الله". هذا يشير إلى مذهب الأشاعرة، فالأشاعرة يقولون: إن كلام الله معنى واحد نفسي ليس بحرف ولا صوت، إنه كلام معنوي في النفس، كلام له معنى نفسي واحد قديم قائم بالرب، وأما ما يسمعه الملائكة أو يسمعه الأنبياء أو هذا القرآن أو غيره من الكتب، هذه الألفاظ عبارة أو حكاية قد يعبرون بهذا أو ذاك، عبارة تعبير عن كلام الله ليس القرآن كلام الله حقيقة، بل هو مجاز؛ لأنه عبارة تعبير عن ذلك المعنى -تعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا- إنهم بذلك يشبهون الله بالأخرس الذي الذي تكون في نفسه المعاني ويعبر عنها من يفهم إشارتها، يعبر عنها فما يتكلم به المعبر هو كلامه يعبر به عن المعنى الذي فهمه من ذلك الأخرس -أعوذ بالله-.
ولهذا أشار الشيخ إلى بطلان قول هؤلاء بقوله ولا يجوز أن يقال: إن هذا القرآن حكاية عن كلام الله أو عبارة لا بل هو كلام الله حقيقة، والكلام إنما يُضاف إلى من قاله مبتدئا لا إلى من قاله مبلغا مؤديا، إنما يُضاف للكلام ويقال: هذا كلام فلان أو كلام من يُضاف إليه، إنما يُضاف الكلام إلى من قاله مبتدئا للكلام لا إلى من قاله مبلغا مؤديا، فلا يقال: إن القرآن كلام محمد، هذا قول الكفار {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) } [1] .
لا يقال: إنه كلام محمد أو كلام بشر أو إنه كلام جبريل؛ لأن الكلام، وإن كان جبريل قد بلغه ومحمد - صلى الله عليه وسلم - قد بلغه، وقد أضيف إليهما القرآن بلفظ القول" إنه" أي" القرآن "لقول رسول". [1] - سورة المدثر آية: 25.