فلا يلزم من معيته -تعالى- لعباده أن يكون مختلطا بالخلق، ممازجا لهم؛ فإن مطلق المعية إنما يدل على -يعني- المعية من حيث هي، تدل في اللغة على مطلق الاقتران، مقارنة، نوع مقارنة مصاحب معه، لا تدل على الامتزاج والمخالطة، فمطلق المعية إنما يدل على مطلق المقارنة، فلا يلزم من وصف الشيء بالمعية أن يكون مخالطا لما هو معه، ويوضح شيخ الإسلام هذه الحقيقة بضرب مثل من المخلوقات، يقول: هذا القمر، وهو من أصغر المخلوقات، موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر، أينما كانوا، تقول: سرنا والقمر معنا، أو تقول هذا القمر معنا، والقمر أين هو منك؟ أين القمر منك؟ القمر في مكان في مداره ومجراه بعيد، وتقول: هذا القمر معنا، مع المسافر وغير المسافر.
فإذا كان المخلوق يكون مع المخلوق، ويوصف بأنه مع المخلوق، ولا يلزم من هذه المعية أن يكون ممتزجا به، ومخالطا له، فالعظيم العلي، العظيم الأعظم، والعلي الأعلى، كيف يقال: إنه يلزم من معيته لعباده أن يكون مختلطا بالخلق، فالله -سبحانه وتعالى- إذا مع عباده حقيقة، هو معهم حقيقة، هو -سبحانه وتعالى- مع عباده حقيقة، ولا يعني ذلك أنه مختلط بهم، أو ممازج لهم، فمن ظن ذلك فهو من أجهل الناس بكلام العرب، ومن أجهل الناس بربه، وقد وقع في ذلك الحلولية من الجهمية والمعتزلة، ومن تبعهم.
أفيصح إذا قيل: إن الله في السماء أن يكون في داخل السماء، ومن ظن ذلك، فهو من أجهل الناس لا، الله تعالى في السماء، يعني: في العلو فوق جميع المخلوقات، فوق السماوات مستوٍ على العرش، فلا منافاة إذا بين إثبات العلو وإثبات المعية.