هذه هي الرحمة المخلوقة ذلك في الفوز المبين، فالرحمة المضافة لله نوعان: صفة له أو مخلوقة، فالأول من إضافة الصفة إلى الموصوف والثاني إضافة المخلوق إلى خالقه، فانظر بعد ما ذكر إنزال الغيث بعد يأسٍ مِن العباد قال -تعالى-: {فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [1] فالمطر رحمة ونعم الله هي رحمة منه بعباده، الجنة هي رحمته التي يرحم بها عباده المؤمنين.
فالمقصود أن هذه الآيات هي دالة على إثبات ما اشتمل عليه من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، فيجب إثبات ذلك له -سبحانه وتعالى- على ما يليق به ويختص به بلا تحريف وصرف للنصوص عن ظاهرها كما يفعل أهل التعطيل والضلال ولا تكيف، ولا تمحو وهذا منهج أهل السنة والجماعة، وأما المعطلة فينفون حقيقة الصفات ثم يؤولون النصوص، الغالب عليهم تأويل النصوص، ومنهم المفوض ويقول: هذه النصوص لا نقول فيها شيئا بل نقرها ألفاظًا دون تفسير لها ودون فهم لمعناها فهي نصوص لا تدل على شيء ولا يفهم منها شيء وكل من القولين باطل -أعني قول أهل التفويض وأهل التأويل- بل هذه النصوص دالة على معاني معقولة وبهذا عرفنا أن له -تعالى- رحمة وأنه رحيم وأن رحمته واسعة وأنه -سبحانه وتعالى- وسع كل شيء رحمة وعلمًا وأنه لم يزل رحيما رءوفًا رحيمًا -سبحانه وتعالى-.
وهذا العلم وهذا الإيمان يوجب التوجه إلى الله بطلب رحمته وبعث الرجاء في قلوب المؤمنين إذا تدبَّر المسلم هذه الآيات تعلق قلبه بربه وقوي أمله فيه وقوي رجاؤه فصار يرجو رحمته يدعونه {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57) } [2] . [1] - سورة الروم آية: 50. [2] - سورة الإسراء آية: 57.