الشاذ مقالة من مقالات الإسلاميين، وإن كانت الجهمية فى حكم جملة من علماء السلف ليست من فرق (المسلمين) [1] أهل القبلة.
حتى لقد قال الإمام البخاري رحمه الله: " نظرت فى كلام اليهود والنصارى والمجوس، فما رأيت أضل في
كفرهم منهم، وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم " [2] .
ومن هنا أضرب أبو عبيد والطبري صفحا عن مناقشة مذهب جهم؛ لأنه ليس من مقالات المجتهدين فى النصوص، بل هو من مذاهب أهل الجدل والتفلسف والكلام، ومنسلخ عن أقوال الملل الحنفية جميعها [3] .
ولكن أسبابا ومؤثرات - يأتي تفصيل الحديث عنها - أفضت في النهاية إلى أن يكون هذا المذهب أكثر المذاهب فى الإيمان انتشارا، مع ما لحقه من تعديل هو لفظى أكثر من كونه حقيقيا، ومن نفي لبعض لوازمه.
فالذى حصل هو أن مذهب المرجئة الفقهاء مهد لرأي جهم، ثم جاء المرجئة المتكلمون كالأشعري والماتريدي، فجعلوه عقيدة أكثر طوائف الأمة - مع ما أشرنا إليه من تعديل -.
ولهذا قال وكيع بن الجراح - الإمام الكبير شيخ الإمام أحمد -: " أحدثوا [4] هؤلاء المرجئة الجهمية، والجهمية الكفار، والمريسي جهمي، وعلمتم كيف كفروا، قالوا: يكفيك المعرفة، وهذا كفر، والمرجئة يقولون: الإيمان قول بلا فعل، وهذا بدعة ... " [5] .
وهذا من أهم ما يجب معرفته والاعتبار به.
أما معرفته فلكي نعلم التطور التاريخي للظاهرة وخط سيرها، وأما الاعتبار به فلأن البدع قد تبدو صغيرة لكنها تؤول إلى أن تصير كبارا، فيجب [1] بل هى من الفرق خارجه عن الثنتين والسبعين، انظر المصادر السابقة وخاصة: خلق أفعال العباد، صلى الله عليه وسلم33 - 40. [2] خلق أفعال العباد ص33 وانظر باب الاحتجاج فى إكفار الجهمية من كتاب الرد على الجهمية للدرامى ص104، تحقيق زهير الشاويش وتعليق الشيخ الألبانى. [3] انظر: تهذيب الآثار (2/199) ، والإيمان لأبى عبيد، ص79، 102، ولهذا فصلنا الحديث عن المنطق والكلام عن الحديث عن إرجاء الحنفية - كما سنرى. [4] هذا على لغة من يجيز ذلك. [5] خلق أفعال العباد ص34.