الحذر من صغيرها وكبيرها، وإلا فإن الأئمة والعباد من المرجئة الفقهاء لم يدر بخلدهم ما صار إليه جهم، ولم يخرجوا الأعمال من الإيمان إلا لفظا فقط، وأما وجوبها والمعاقبة عليها ووجوب ترك المحظورات فأمر لم يخالفوا فيه قط.
ولهذا عد بعض العلماء الخلاف كله لفظيا، وليس كذلك بإطلاق.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم:
" وهذه الشبهة التي أوقعتهم - يعنى شبهة عدم التعدد والتبعيض في الإيمان - مع علم كثير منهم وعبادته وحسن إسلامه وإيمانه، ولهذا دخل فى إرجاء الفقهاء جماعة هم عند الأمة أهل علم ودين، ولهذا لم يكفر أحد من السلف أحدا من مرجئة الفقهاء، بل جعلوا هذا من بدع الأقوال والأفعال لا من بدع العقائد؛ فإن كثيرا من النزاع فيها لفظي، لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنة هو الصواب، فليس لأحد أن يقول بخلاف قول الله ورسوله، لا سيما وقد صار ذلك ذريعة إلى بدع أهل الكلام من أهل الإرجاء وغيرهم وإلى ظهور الفسق، فصار ذلك الخطأ اليسير في اللفظ سببا لخطأ عظيم في العقائد والأعمال، ولهذا عظم القول في ذم الإرجاء " [1] .
وقال أيضا: " والمرجئة الذين قالوا: الإيمان تصديق القلب وقول اللسان والأعمال ليست منه، وكان منهم طائفة من فقهاء الكوفة وعبادها، ولم يكن قولهم مثل قول جهم، فعرفوا أن الإنسان لا يكون مؤمنا إن لم يتكلم بالإيمان مع قدرته عليه [2] ، وعرفوا أن إبليس وفرعون كفار مع تصديق قلوبهم [3] .
لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب في الإيمان لزمهم قول جهم، وإن أدخلوها في الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضا فإنها لازمة لها، ولكن هؤلاء لهم حجج شرعية بسببها اشتبه الأمر عليهم " [4] . [1] الإيمان، ص377. [2] وهذا الذى نفوه هو مذهب جهم، فهو مذهب أكثر الأشعرية والماتريدية، والذين يشترطون النطق منهم يعدون الحكم بعدم إيمان من لم ينطق مع القدرة قولا مرجوحا فقط، وسيأتى لذلك بحث خاص بعنوان: حكم ترك العمل عند المرجئة فى الطور النهائى للظاهرة، ص491. [3] وهذا من لوازم مذهب جهم التي نفاها متبعوه (الأشعرية والماتريدية) ، قائلين: إن من نص الشارع على كفره علمنا انتفاء التصديق من قلبه، وهذا القول واضح المكابره والمناقضة لصريح القرآن، حتى قال عنه شيخ الإسلام: إنه "سفسطة عند جماهير العقلاء" الإيمان، ص142، انظر ص413، 414. [4] الإيمان، ص183.