وقد رواه الطبراني بأسانيد جيدة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج. مات محمود سنة ست وتسعين، وقيل سنة سبع وتسعين. وله تسع وتسعون سنة.
قوله: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" هذا من شفقته صلي الله عليه وسلم بأمته ورحمته ورأفته بهم، فلا خير إلا دلهم عليه وأمرهم به، ولا شر إلا بينه لهم وأخبرهم به ونهاهم عنه; كما قال صلي الله عليه وسلم فيما صح عنه: " ما بعث الله من نبي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم - الحديث1". فإذا كان الشرك الأصغر مخوفا على أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم مع كمال علمهم وقوة إيمانهم، فكيف لا يخافه وما فوقه من هو دونهم في العلم والإيمان بمراتب؟ خصوصا إذا عرف أن أكثر علماء الأمصار اليوم لا يعرفون من التوحيد إلا ما أقر به المشركون، وما عرفوا معنى الإلهية التي نفتها كلمة الإخلاص عن كل ما سوى الله[2].
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: " من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار " [3] رواه البخاري.
وأخرج أبو يعلى وابن المنذر عن حذيفة بن اليمان عن أبي بكر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " الشرك أخفى من دبيب النمل. قال أبو بكر: يا رسول الله، وهل الشرك إلا ما عبد من دون الله أو ما دعي مع الله؟ قال: ثكلتك أمك، الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل " الحديث. وفيه: " أن تقول أعطاني الله وفلان، والند أن يقول الإنسان: لولا فلان
1 جزء من حديث رواه مسلم: كتاب الإمارة (1844) (46) : باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء. [2] في قرة العيون: فإذا كان يخافه صلى الله عليه وسلم على أصحابه الذين وحدوا الله بالعبادة، ورغبوا إليه وإلى ما أمرهم به من طاعته، فهاجروا وجاهدوا من كفر به، وعرفوا ما دعاهم إليه نبيهم, وما أنزله الله في كتابه من الإخلاص والبراءة من الشرك، فكيف لا يخاف من لا نسبة له إليهم في علم ولا عمل مما هو أكبر من ذلك؟ وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن أمته بوقوع الشرك الأكبر فيهم بقوله في حديث ثوبان الآتي ذكره: "حتى يلحق قبائل من أمتي بالمشركين, وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان" وقد جرى ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، وعمت به البلوى في أكثر الأقطار حتى اتخذوه دينا مع ظهور الآيات المحكمات, والأحاديث الصحيحة في النهي عنه والتخويف منه كما قال تعالى: 72: 5 (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار) ، وقال: 30: 22 , 31 (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به) , وهذا هو تحقيق التوحيد كما تقدم في الباب قبله. ثم قال تعالى محذرا عباده من الشرك: (ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق) . ومن لم تخوفه هذه الآيات وتزجره عن الشرك في العبادة إذا تدبرها فلا حيلة فيه. [3] البخاري: تفسير القرآن (4497) , وأحمد (1/374 ,1/402 ,1/407 ,1/462 ,1/464) .