فيجلب له المنفعة، ويدفع عنه المضرة، والآخر قد استوى عنده هذا وهذا وليس عنده ما يقتضي جلب منفعة ولا دفع مضرة كان الأول أكمل1.
وأما مذهب الأشعرية: في صفتي الرحمة، والمغفرة فإنهم يؤولونهما بغير المراد منهما، فقد تأولوا صفة الرحمة بمعنى الإحسان أو إرادة الإحسان قال البيجوري2 و"الرحمن الرحيم" صفتان مأخوذتان من الرحمة بمعنى الإحسان أو إرادة الإحسان لاستحالة ذلك في حقه ـ تعالى ـ فالرحمن الرحيم "في حقه بمعنى المحسن، أو مريد الإحسان لكن الأول بمعنى المحسن بجلائل النعم أي: بالنعم الجليلة والثاني بمعنى المحسن بدقائق النعم أي: بالنعم الدقيقة" أ. هـ3.
وذكر صاحب الجوهرة مذهب الأشاعرة في الصفات فقال:
وكل نص أوهم التشبيه ... أوله أو فوض ورم تنزيها4
وقال الرازي بعد أن ذكر بعض الصفات الفعلية: "إن هذه المتشابهات يجب القطع بأن مراد الله منها شيء غير ظواهرها كما يجب تفويض معناها إلى الله ـ تعالى ـ، ولا يجوز الخوض في تفسيرها"5.
فمذهب الأشعرية عموماً إثبات بعض الصفات وتأويل الكثير منها بغير المراد منها فتأويلهم صفة الرحمة بمعنى الإحسان، أو إرادة الإحسان مغالطة ظاهرة إذ الحق إثبات صفة الرحمة كما يليق بجلاله ـ تعالى ـ كالقول في سائر الصفات، والرحمة لا تنفك عن إرادة الإحسان فهي مستلزمة للإحسان أو إرادته استلزام الخاص للعام فكما أنه يستحيل وجود الخاص بدون العام فكذلك الرحمة بدون الإحسان أو إرادته.
وبعض الأشاعرة تأول صفة الرحمة بمعنى الثواب، ويرد على هذا التأويل البعيد
1- مجموعة الرسائل والمسائل: 4/226 ـ 227. دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
2- هو: إبراهيم بن محمد بن أحمد الشافعي الباجوري المتوفى سنة 1277 هـ.
3- تحفة المريد على جوهرة التوحيد ص3.
4- المصدر السابق ص91.
5- أساس التقديس ص223.