ورفع الضرر وجلب النفع لأن ذلك من خصائص الرب ـ سبحانه وتعالى ـ وقد حصر الرسول صلى الله عليه وسلم العبادة في الدعاء فقال عليه الصلاة والسلام: "الدعاء هو العبادة" 1.
جاء في عون المعبود أي: "هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة لدلالته على الإقبال على الله والإعراض عما سواه بحيث لا يرجو ولا يخاف إلا إياه قائماً بوجوب العبودية معترفاً بحق الربوبية عالماً بنعمة الإيجاد"2. فهذه الأحاديث التي قدمنا ذكرها تدل على أن دعاء غير الله من ميت وغائب وحاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله من جلب النفع ودفع الضر أو تحويله هو الشرك بعينه بل ذلك من الشرك الأكبر إذ أن الداعي إنما يدعو الله إذ انقطع أمله مما سوى الله وذلك هو خلاصة التوحيد فمن دعا غير الله ـ تعالى ـ أو ناداه فقد سوى بينه وبين الله ـ تعالى ـ وذلك عين الشرك.
والناظر لحال بعض المسلمين اليوم من الذين ينادون أهل القبور ويستغيثون بهم ويطوفون بقبورهم، ويذبحون لهم وينذرون لهم فإنه يرثي حالهم ويعلم تدهور العقيدة الصحيحة في قلوبهم، والموجب لهم ذلك أنهم عن كتاب ربهم معرضون وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم غافلون، وبسبب ذلك فعلوا فعل المشركين الذين كانوا يدَّعون أنهم ما يعبدون الآلهة إلا لكي تشفع لهم عند الله، وهذا ما وقع فيه جهلة المسلمين من الخضوع والتذلل عند القبور، ويطلبون من أصحابها مطالب لا يقدر عليها إلا الله تعالى. .
وعندما يشاهد الإنسان الذي عرف العقيدة الصحيحة بعض المفتونين من القبوريين الذين ينادون أهلها الذين لا يملكون لغيرهم ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة، ولا نشوراً يتساءل عن الذي جعلهم يعضون على فعلهم ذلك المنكر الشنيع الذي يجعل فاعله هو وعبدة الأصنام على حد سواء في دعوتهم غير الله ـ تعالى ـ والسبب الذي دفعهم إلى ذلك يتمثل في الأمور الآتية:
1 ـ جهلهم أولاً: بحقيقة ما أرسل الله به رسوله عليه الصلاة والسلام، بل جهلهم بما دعا إليه جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام من تحقيق التوحيد، وقطع كل صلة تؤدي إلى
1- المصدر السابق 5/25، وانظر سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود 4/352.
2- 4/352.