responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 560
لِإِظْهَارِ شَيْءٍ مِنْ حِكْمَةِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الَّذِي أَظْهَرُوا اسْتِنْكَارَهُ عِنْدَ سَمَاعِهِ إِذْ قَالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً [الْبَقَرَة: 67] وَفِي ذَلِكَ إِظْهَارُ مُعْجِزَةٍ لِمُوسَى. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ مَا حُكِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ أَوَّلُ الْقِصَّةِ وَإِنَّ مَا تَقَدَّمَ هُوَ آخِرُهَا، وَذَكَرُوا لِلتَّقْدِيمِ نُكْتَةً تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي بَيَانِهَا وَتَوْهِينِهَا.
وَلَيْسَ فِيمَا رَأَيْتُ مِنْ كُتُبِ الْيَهُودِ مَا يُشِيرُ إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ فَلَعَلَّهَا مِمَّا أُدْمِجَ فِي قِصَّةِ الْبَقَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَمْ تَتَعَرَّضِ السُّورَةُ لِذِكْرِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مُعْجِزَةً لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمْ تَكُنْ تَشْرِيعًا بَعْدَهُ.
وَأَشَارَ قَوْلُهُ: قَتَلْتُمْ إِلَى وُقُوعِ قَتْلٍ فِيهِمْ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ فِي إِسْنَادِ أَفْعَالِ الْبَعْضِ إِلَى الْجَمِيعِ جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ فِي قَوْلِهِمْ: قَتَلَتْ بَنُو فُلَانٍ فُلَانًا، قَالَ النَّابِغَةُ يَذْكُرُ بَنِي حُنٍّ [1] :
وَهُمْ قَتَلُوا الطَّائِيَّ بِالْجَوِّ عَنْوَةً ... أَبَا جَابِرٍ وَاسْتَنْكَحُوا أُمَّ جَابِرِ
وَذَلِكَ أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْيَهُودِ قَتَلُوا ابْنَ عَمِّهِمُ الْوَحِيدَ لِيَرِثُوا عَمَّهُمْ وَطَرَحُوهُ فِي مَحِلَّةِ قَوْمٍ وَجَاءُوا مُوسَى يُطَالِبُونَ بِدَمِ ابْنِ عَمِّهِمْ بُهْتَانًا وَأَنْكَرَ الْمُتَّهَمُونَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِأَنْ يَضْرِبَ الْقَتِيلَ بِبَعْضِ تِلْكَ الْبَقَرَةِ فَيَنْطِقَ وَيُخْبِرَ بِقَاتِلِهِ، وَالنَّفْسُ الْوَاحِدُ مِنَ النَّاسِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ نَفْسٍ أَيْ رُوحٍ وَتَنَفُّسٍ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ التَّنَفُّسِ
وَفِي الْحَدِيثِ «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ»
وَلِإِشْعَارِهَا بِمَعْنَى
التَّنَفُّسِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ إِطْلَاقِ النَّفْسِ عَلَى اللَّهِ وَإِضَافَتِهَا إِلَى اللَّهِ فَقِيلَ يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ كَلَامِ عِيسَى: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [الْمَائِدَة: 116] وَلِقَوْلِهِ
فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ: «وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي»
وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلْمُشَاكَلَةِ كَمَا فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَلَا عِبْرَةَ بِأَصْلِ مَأْخَذِ الْكَلِمَةِ مِنَ التَّنَفُّسِ فَالنَّفْسُ الذَّاتُ قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها [النَّحْل: 111] . وَتُطْلَقُ النَّفْسُ عَلَى رُوحِ الْإِنْسَانِ وَإِدْرَاكِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَقَوْلُ الْعَرَبِ قُلْتُ فِي نَفْسِي أَيْ فِي تَفَكُّرِي دُونَ قَوْلٍ لَفْظِيٍّ، وَمِنْهُ إِطْلَاقُ الْعُلَمَاءِ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي فِي عَقْلِ الْمُتَكَلِّمِ الَّتِي يُعَبَّرُ عَنْهَا بِاللَّفْظِ.
و (ادّارأتم) افْتِعَالٌ، وَادَّارَأْتُمْ أَصْلُهُ تَدَارَأْتُمْ تَفَاعُلٌ مِنَ الدَّرْءِ وَهُوَ الدَّفْعُ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَدْفَعُ الْجِنَايَةَ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمَّا أُرِيدَ إِدْغَامُ التَّاءِ فِي الدَّالِ عَلَى قَاعِدَةِ تَاءِ الِافْتِعَالِ مَعَ الدَّالِ وَالذَّالِ جُلِبَتْ هَمْزَةُ الْوَصْلِ لِتَيْسِيرِ التَّسْكِينِ لِلْإِدْغَامِ.
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ مُخْرِجٌ جُمْلَةٌ حَالية من فَادَّارَأْتُمْ أَيْ تَدَارَأْتُمْ فِي حَالِ أَنَّ اللَّهَ سَيُخْرِجُ مَا كَتَمْتُمُوهُ فَاسْمُ الْفَاعِلِ فِيهِ لِلْمُسْتَقْبَلِ بِاعْتِبَارِ عَامله وَهُوَ فَادَّارَأْتُمْ.

[1] بحاء مُهْملَة مَضْمُومَة وَنون مُشَدّدَة حَيّ من عذرة.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 560
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست