responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 561
وَالْخِطَابُ هُنَا عَلَى نَحْوِ الْخِطَابِ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ الْمَبْنِيِّ عَلَى تَنْزِيلِ الْمُخَاطَبِينَ مَنْزِلَةَ أَسْلَافِهِمْ لِحَمْلِ تَبِعَتِهِمْ عَلَيْهِمْ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ خُلُقَ السَّلَفِ يَسْرِي إِلَى الْخَلَفِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِيمَا مَضَى وَسَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قَوْلِهِ: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [الْبَقَرَة: 75] .
وَإِنَّمَا تَعَلَّقَتْ إِرَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِكَشْفِ حَالِ قَاتِلِي هَذَا الْقَتِيلِ مَعَ أَنَّ دَمَهُ لَيْسَ بِأَوَّلِ دَمٍ طَلٍّ فِي الْأُمَمِ إِكْرَامًا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَضِيعَ دَمٌ فِي قَوْمِهِ وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَبِمَرْأًى مِنْهُ وَمَسْمَعٍ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَصَدَ الْقَاتِلُونَ اسْتِغْفَالَ مُوسَى وَدَبَّرُوا الْمَكِيدَةَ فِي إِظْهَارِهِمُ الْمُطَالَبَةَ بِدَمِهِ فَلَوْ لَمْ يُظْهِرِ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الدَّمَ فِي أُمَّةٍ لَضَعُفَ يَقِينُهَا بِرَسُولِهَا وَلَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُهُمْ شَكًّا فِي صِدْقِهِ فَيَنْقَلِبُوا كَافِرِينَ فَكَانَ إِظْهَارُ هَذَا الدَّمِ كَرَامَةً لِمُوسَى وَرَحْمَةً بِالْأُمَّةِ لِئَلَّا تَضِلَّ فَلَا يُشْكَلُ عَلَيْكُمْ أَنَّهُ قَدْ ضَاعَ دَمٌ فِي زَمَنِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي حَدِيثِ حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ الْآتِي لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ بِانْتِفَاءِ تَدْبِيرِ الْمَكِيدَةِ وَانْتِفَاءِ شَكِّ الْأُمَّةِ فِي رَسُولِهَا وَهِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.
وَقَوله: كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
الْإِشَارَةُ إِلَى مَحْذُوفٍ لِلْإِيجَازِ أَيْ فَضَرَبُوهُ فَحَيِيَ فَأَخْبَرَ بِمَنْ قَتَلَهُ أَيْ كَذَلِك الْإِحْيَاء يحي اللَّهُ الْمَوْتَى فَالتَّشْبِيهُ فِي التَّحَقُّقِ وَإِنْ كَانَتْ كَيْفِيَّةُ
الْمُشَبَّهِ أَقْوَى وَأَعْظَمَ لِأَنَّهَا حَيَاةٌ عَنْ عَدَمٍ بِخِلَافِ هَاتِهِ فَالْمَقْصِدُ مِنَ التَّشْبِيهِ بَيَانُ إِمْكَانِ الْمُشَبَّهِ كَقَوْلِ الْمُتَنَبِّي:
فَإِنْ تَفُقِ الْأَنَامَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ ... فَإِنَّ الْمِسْكَ بَعْضُ دَمِ الْغَزَالِ

وَقَوله: كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
مِنْ بَقِيَّةِ الْمَقُولِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُقَدَّرَ وَقُلْنَا لَهُم كَذَلِك يحي اللَّهُ الْمَوْتَى لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لِشَيْءٍ مُشَاهَدٍ لَهُمْ وَلَيْسَ هُوَ اعْتِرَاضًا أُرِيدَ بِهِ مُخَاطَبَةُ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُشَاهِدُوا ذَلِكَ الْإِحْيَاءَ حَتَّى يُشَبَّهَ بِهِ إِحْيَاءُ اللَّهِ الْمَوْتَى.
وَقَوْلُهُ: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
رَجَاءٌ لِأَنْ يَعْقِلُوا فَلَمْ يَبْلُغِ الظَّنُّ بِهِمْ مَبْلَغَ الْقَطْعِ مَعَ هَذِهِ الدَّلَائِلِ كُلِّهَا.
وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ فُقَهَائِنَا أَنْ يَحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اعْتِبَارِ قَوْلِ الْمَقْتُولِ:
دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ مُوجِبًا لِلْقَسَامَةِ وَيَجْعَلُونَ الِاحْتِجَاجَ بِهَا لِذَلِكَ مُتَفَرِّعًا عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا، وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ هُوَ أَنَّ إِحْيَاءَ الْمَيِّتِ لَمْ يُقْصَدْ مِنْهُ إِلَّا سَمَاعُ قَوْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْمَقْتُولِ كَانَ مُعْتَبَرًا فِي أَمْرِ الدِّمَاءِ. وَالتَّوْرَاةُ قَدْ أَجْمَلَتْ أَمْرَ الدِّمَاءِ إِجْمَالًا شَدِيدًا فِي قِصَّةِ ذَبْحِ الْبَقَرَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا، نَعَمْ إِنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَىُُ

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 561
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست