نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 196
المستطاع من الأنعام سواء الإبل والبقر أو الغنم والمعز.
فإذا لم يجد ما استيسر من الهدي فهناك فدية:
«فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ. تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ» ..
والأولى أن يصوم الأيام الثلاثة الأولى قبل الوقوف بعرفة في اليوم التاسع من ذي الحجة. أما الأيام السبعة الباقية فيصومها بعد عودته من الحج إلى بلده.. «تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ» .. ينص عليها نصاً للتوكيد وزيادة البيان.. ولعل حكمة الهدي أو الصوم هي استمرار صلة القلب بالله، فيما بين العمرة والحج، فلا يكون الإحلال بينهما مخرجاً للشعور عن جو الحج، وجو الرقابة، وجو التحرج، الذي يلازم القلوب في هذه الفريضة..
ولما كان أهل الحرم عماره المقيمين فيه لا عمرة لهم.. إنما هو الحج وحده.. لم يكن لهم تمتع، ولا إحلال بين العمرة والحج. ومن ثم فليس عليهم فدية ولا صوم بطبيعة الحال:
«ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» ..
وعند هذا المقطع من بيان أحكام الحج والعمرة يقف السياق ليعقب تعقيباً قرآنياً، يشد به القلوب إلى الله وتقواه:
«وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» ..
وهذه الأحكام ضمان القيام بها هو هذه التقوى، وهي مخافة الله، وخشية عقابه. والإحرام بصاحبه تحرج. فإذا أباح لهم الإحلال فترة أقام تقوى الله وخشيته في الضمير، تستجيش فيه هذا التحرج، وتقوم بالحراسة في انتباه! 197- ثم يمضي في بيان أحكام الحج خاصة فيبين مواعيده، وآدابه، وينتهي في هذا المقطع الجديد إلى التقوى كما انتهى إليها في المقطع الأول سواء:
«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ. فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ. وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ. وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى، وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ» ..
وظاهر النص أن للحج وقتاً معلوماً، وأن وقته أشهر معلومات.. هي شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة.. وعلى هذا لا يصح الإحرام بالحج إلا في هذه الأشهر المعلومات وإن كان بعض المذاهب يعتبر الإحرام به صحيحاً على مدار السنة، ويخصص هذه الأشهر المعلومات لأداء شعائر الحج في مواعيدها المعروفة. وقد ذهب إلى هذا الرأي الأئمة: مالك وأبو حنيفة وأحمد بن حنبل. وهو مروي عن إبراهيم النخعي، والثوري والليث بن سعد. وذهب إلى الرأي الأول الإمام الشافعي، وهو مروي عن بن عباس وجابر وعطاء وطاووس ومجاهد. وهو الأظهر.
فمن فرض الحج في هذه الأشهر المعلومات- أي أوجب على نفسه إتمامه بالإحرام- «فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ» .. والرفث هنا ذكر الجماع ودواعيه إما إطلاقاً وإما في حضرة النساء. والجدال:
المناقشة والمشادة حتى يغضب الرجل صاحبه. والفسوق: إتيان المعاصي كبرت أم صغرت.. والنهي عنها ينتهي إلى ترك كل ما ينافي حالة التحرج والتجرد لله في هذه الفترة، والارتفاع على دواعي الأرض، والرياضة الروحية على التعلق بالله دون سواه، والتأدب الواجب في بيته الحرام لمن قصد إليه متجرداً حتى من مخيط الثياب!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 196