نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 466
رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يؤدي ديته. فقال حذيفة: قد تصدقت بديته على المسلمين. فزاد ذلك حذيفة خيراً عند رسول الله.
وقال وحشي غلام جبير بن مطعم يصف مصرع حمزة سيد الشهداء في هذه الغزوة: قال لي جبير: إن قتلت حمزة عم محمد فأنت عتيق. قال: فخرجت مع الناس. وكنت رجلاً حبشياً، أقذف بالحربة قذف الحبشة، قلما أخطئ بها شيئاً. فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره، حتى رأيته كأنه الجمل الأورق، يهد الناس بسيفه هدا، ما يقوم له شيء. فو الله إني لأتهيأ له أريده، وأستتر منه بشجرة أو بحجر ليدنو مني.
إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى، فلما رآه حمزة ضربه ضربة كأنما اختطف رأسه، فهززت حربتي حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه، فوقعت في ثنته (أحشائه) حتى خرجت من بين رجليه. وذهب لينوء نحوي فغلب. وتركته وإياها حتى مات. ثم أتيته فأخذت حربتي ورجعت إلى المعسكر، فقعدت فيه. إذ لم تكن لي بغيره حاجة. إنما قتلت لأعتق..
وقد جاءت هند بنت عتبة زوج أبي سفيان، فبقرت بطن حمزة، وأخرجت كبده، ولاكتها فلم تقدر عليها. فألقتها..
ولما وقف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعد المعركة على جثمان حمزة- رضي الله عنه- تأثر تأثرا شديدا. وقال- صلى الله عليه وسلم-: «لن أصاب بمثلك أبداً. وما وقفت قط موقفاً أغيظ إلي من هذا» ..
ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أكلت شيئاً؟» قالوا: لا. قال: «ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة في النار» ..
وقد أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يدفن شهداء أحد في مصارعهم، ولا ينقلوا إلى مقابر المدينة. وكان بعض الصحابة قد نقلوا قتلاهم. فنادى منادي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- برد القتلى إلى مصارعهم فردوا. ووقف- صلوات الله وسلامه عليه- يدفن الرجلين والثلاثة في اللحد الواحد. وكان يسأل: أيهم أكثر أخذاً في القرآن؟ فإذا أشاروا إلى رجلَ قدمه في اللحد. ودفن عبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد لما كان بينهما من المحبة. فقال: «ادفنوا هذين المتحابين في الدنيا في قبر واحد» .
هذه بعض اللقطات من المعركة التي تجاور فيها النصر والهزيمة، لا تفرق بينهما إلا لحظة من الزمان، وإلا مخالفة عن الأمر، وإلا حركة من الهوى، وإلا لفتة من الشهوة! والتي تجاورت فيها القيم العالية والسفوح الهابطة! والنماذج الفريدة في تاريخ الإيمان والبطولة، وفي تاريخ النفاق والهزيمة! وهي مجموعة تكشف عن حالة من عدم التناسق في الصف حينذاك، كما تكشف عن حالة من الغبش في تصورات بعض المسلمين.. وهذه وتلك أنشأت- وفق سنة الله وقدره- هذه النتائج التي ذاقها المسلمون وهذه التضحيات الجسام، التي تتراءى على قمتها تلك التي أصابت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والتي لا شك أن الصحابة حين ذاك كانوا يحسونها بعمق وعنف، ويرونها أشد ما نالهم من الآلام. وقد دفعوا الثمن غالياً ليتلقوا الدرس عالياً، وليمحص الله القلوب ويميز الصفوف، وليعد الجماعة المسلمة للمهمة العظمى التي ناطها بها: مهمة القيادة الراشدة للبشرية، وإقرار منهج الله في الأرض في صورته المثالية الواقعية..
فلننظر إذن كيف عالج القرآن الكريم الموقف بطريقة القرآن.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 466