ومن المعلوم أن الحاجة العامة في حق عامة الناس تتنزل منزلة الضرورة في حق الفرد لما تقدم عن السرخسي في قوله في الاستحسان: "إنه ترك العسر لليسر" ثم يقول: أنه أصل قطعي في الدين الخ.
ويدل له أيضاً ما قاله ابن نجيم[1] ونصه: "الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة، ولهذا جوزت الإجارة على خلاف القياس للحاجة.
ولذا قلنا: لا يجوز إجارة بيت بمنافع بيت لاتخاذ جنس المنفعة فلا حاجة، بخلاف ما إذا اختلف، ومنها ضمان الدرك[2] جوز على خلاف القياس.
ومن ذلك جواز السلم[3] على خلاف القياس، لكونه بيع المعدوم دفعاً لحاجة المفاليس[4] ومنها جواز الاستصناع للحاجة، ودخول الحمام مع جهالة مكثه فيها، وما يستعمله من مائها وشربة السقاء، ومنها الإفتاء بصحة بيع الوفاء حين كثر الدين على أهل بخارى وهكذا بمصر، وقد سموه بيع الأمانة والشافعية يسمونه الرهن المعاد[5]، فكلام ابن نجيم هنا ظاهر في أنه أطلق تنزيل الحاجة منزلة الضرورة سواء كانت عامة أو خاصة، والمعروف هو أنه إنما تنزل الحاجة منزلة [1] هو: زين الدين بن إبراهيم بن محمد المشهور بابن نجيم، العالم الفقيه المصري، الحنفي، الأصولي، له مؤلفات تدل على عزارة علمه وتدقيقه، منها: الأشباه والنظائر في قواعد الفقه، ومنها في الأصول: شرح المنار، ولب الأصول، توفي سنة 970هـ.
انظر: الفتح المبين في طبقات الأصوليين 3/78، الأعلام للزركلي 3/104. [2] الدرك التبعة، وضمان الدرك هو أن يقول كفيل لمن يريد شراء سلعة أنا ضامن لك ثمن المبيع إن استحقه أحد، مع جواز أن يظهر استحاق بعضه أو كله.
ووجه مخالفته للقياس هو أنه ضمان بالمجهول.
انظر: فتح القدير شرح الهداية 7/181، والعناية بأسفله 7/182. [3] السلم بفتحتين السلف، وزناً ومعنى، والسلف لغة أهل العراق، والسلم لغة أهل الحجاز، وهو في اصطلاح الشرع بيع موصوف في الذمة إلى أجل معين بثمن معجل، وهو نوع من البيع، يعتبر فيه من الشروط ما يعتبر في البيع وينعقد بما ينعقد به.
انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري 4/428، المغني لابن قدامة 4/246. [4] جمع مفلس، وهو من لا فلوس له، لانتقاله من حال اليسر إلى حال العسر.
انظر: المصباح المنير 2/137. [5] انظر: الأشباه والنظائر ص 91 - 92.