المصلحة إذ الفقهاء إنما يجمعون على صحة ما تعارف عليه الناس، لأن الحكم بصحته مصلحة تتفق مع تصرفات الشارع في الجملة"[1].
كما أن مستند الاستحسان في الواقع إنما هو رعاية المصلحة التي شهدت لها نصوص الشرع إما بشهادة نص معين، وإما بشهادة معقولة.
وإما بشهادة جملة نصوص الشرع وقواعده العامة، لذا كان محل اعتبار من جميع الأئمة بصفة عامة، وأبي حنيفة بصفة خاصة.
الدليل الثاني: إن الحنفية يشترطون في صلاحية الوصف لأن يكون علة أن يكون مناسباً وأن يكون مؤثراً في الحكم، ويعرفون التأثير بما يدخل المناسب المرسل في المؤثر عندهم، وعلى هذا فالمناسب المرسل معتبر عندهم وإن لم يصرحوا بذلك، فإذاً لا بد من بيان أقسام المرسل عندهم أولاً، ثم بيان ما فيه الخلاف من أقسامه وما ليس فيه خلاف، وما يلزم الحنفية قبوله فإلى ذلك.
أما صاحب التحرير وشارحه فقد قسما المرسل إلى: ما علم إلغاؤه، وغريب وملائم، وذكرا أن الملغي والغريب مردودان اتفاقاً وأجريا لخلاف في الملائم، وبيناه بأنه هو ما علم فيه اعتبار جنس الوصف في عين الحكم، أو عين الوصف في جنس الحكم، أو جنس الوصف في جنس الحكم[2].
فهذا هو المرسل الملائم قالا: "وسنذكر أنه يجب من الحنفية قبول ملائم المرسل"، وأن اتفاق العلماء المذكور إنما هو رد ما علم إلغاؤه والغريب من المرسل[3].
فقد صرحا بأن ملائم المرسل هو المرسل، وأنه يجب من الحنفية قبوله وأن اتفاق العلماء إنما هو في رد الملغى والغريب من المرسل، ولذا قالا: فالتعليل بالمرسل تعليل بمصالح خاصة ابتداء اعتبرت في جنس الحكم الذي يراد إثباته [1] نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي ص 599. [2] انظر: التقرير والتحبير 30/150. [3] نفس المرجع السابق 3/151.