الخلاف فيها بين العلماء، وإذا ثار خلاف بينهم بشأنها فهو خلاف يرجع إلى تطبيق الأصل لا إلى أصل صحة الاحتجاج به، والرجوع إليه[1].
يقول الغزالي: "وإذا فسرنا المصلحة بالمحافظة على مقاصد الشرع، فلا وجه للخلاف في اتباعها، بل يجب القطع بكونها حجة، وحيث ذكرنا خلافاً فذلك عند تعارض مصلحتين ومقصودين، وعند ذلك يجب ترجيح الأقوى" [2].
ولما كان مقتضى ما ذهب إليه من قبول المصلحة إذا كانت ضرورية أو حاجية، يوهم اتفاقه مع مالك رحمه الله حيث إنهما اتفقا في قبولها وفي كون كل منهما يشترط في قبولها أن تكون ملائمة لتصرفات الشرع بدخولها تحت قواعده العامة، وأن لا تصادم نصاً من كتاب أو سنة أو إجماع فقد أجاب ببيان الفرق بينه وبين مالك رحمهما الله بقوله: "الفرق بيننا أننا نبهنا لأصل عظيم لم يكترث مالك به، وهو أنا قدمنا إجماع الصحابة على قضية المصلحة، وكل مصلحة يعلم على القطع وقوعها في زمن الصحابة رضي الله عنهم، وامتناعهم عن القضاء بموجبها، فهي متروكة، ونعلم على القطع أن الأعصار لا تنفك عن السرقة، وكان ذلك يكثر في زمن الصحابة، ولم يعزوا بالتهمة، ولم يقطعوا قط لساناً في المهذر مع كثرة المهذران ولا صادروا غنياً مع كثرة الأغنياء ومسيس الحاجة، وكل ما امتنعوا عنه نمتنع عنه، ومالك لم يتنبه لهذا الأصل"[3].
فالفرق إذاً بينهما هو أن الغزالي يشترط في المصلحة المرسلة أن تكون حديثة بمعنى أنه لم يقع مثلها في زمن الصحابة رضي الله عنهم من غير أن يشرعوا حكماً على وفقها، وأما مالك فلم يشترط ذلك، وبهذا يتضح أن الغزالي قال بالمرسل ما لم تكن المصلحة فيه تحسينية، شأنه في ذلك شأن غيره من الأئمة، والله تعالى أعلم.
والآن ننتقل إلى عرض أدلته على اعتبار المرسل. [1] انظر: نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي ص 425. [2] انظر: المستصفى 1/311. [3] انظر: المنخول ص 366.